للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا عَطَسَ فَقِيلَ لَهُ يَرْحَمُك اللَّهُ، قَالَ يَرْحَمُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ وَيَغْفِرُ لَنَا وَلَكُمْ) .

مَا جَاءَ فِي الصُّوَرِ وَالتَّمَاثِيلِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّ رَافِعَ بْنَ إِسْحَاقَ مَوْلَى الشِّفَاءِ أَخْبَرَهُ قَالَ «دَخَلْت أَنَا وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَلْحَةَ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ نَعُودُهُ فَقَالَ لَنَا أَبُو سَعِيدٍ: أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

ــ

[المنتقى]

لِأَنَّهُ بِصَلَاتِهِ مَشْغُولٌ عَنْ الذِّكْرِ وَالتَّشْمِيتِ وَرَوَى أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ عَطَسَ أَوْ رَأَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ فَحَمِدَ اللَّهَ أَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ قَالَ: لَا أَنْهَاهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَنْ أَقُولُ لَهُ لَا تَذْكُرْ اللَّهَ تَعَالَى.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِذَا عَطَسَ رَجُلٌ وَحَمِدَ اللَّهَ بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ الْوَاحِدُ كَرَدِّ السَّلَامِ،.

وَقَالَ ابْنُ مُزَيْنٍ فِي الْمُخْتَصَرِ: إنَّهُ بِخِلَافِ رَدِّ السَّلَامِ يُرِيدُ أَنَّهُ يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْجَمَاعَةِ التَّشْمِيتُ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا احْتَجَّ بِهِ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ مِنْ أَنَّهُ كَرَدِّ السَّلَامِ وَوَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ مُزَيْنٍ مَا رَوَاهُ سَعِيدُ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللَّهَ فَحَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ السَّلَامَ إظْهَارُ شَعِيرَةِ الْإِسْلَامِ فَإِذَا أَظْهَرَهُ أَحَدُهُمْ وَأَقَرَّهُ الْبَاقُونَ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ إظْهَارٌ مِنْ جَمِيعِهِمْ لَهُ وَتَأْنِيسٌ لِمَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ، وَالتَّشْمِيتُ إنَّمَا هُوَ دُعَاءٌ لِلْمُشَمِّتِ وَقَضَاءٌ لِحَقٍّ وَجَبَ لَهُ عَلَى الْجَمَاعَةِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَقْضِيَهُ إيَّاهُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي التَّشْمِيتِ هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ وَظَاهِرُ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ كَرَدِّ السَّلَامِ.

وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: هُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ كَابْتِدَاءِ السَّلَامِ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنْ عَطَسَ فَشَمِّتْهُ» وَهَذَا أَمْرٌ وَظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ، وَرَوَى يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ رَدُّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ» .

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ثُمَّ إنْ عَطَسَ فَقُلْ: إنَّك مَضْنُوكٌ» قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ الْمَضْنُوكُ هُوَ الْمَزْكُومُ، وَقَدْ وَرَدَ تَفْسِيرُهُ فِي الْحَدِيثِ بِذَلِكَ وَقَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ لَا أَدْرِي أَبَعْدَ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ قَالَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ الَّذِي يَأْخُذُ بِهِ مَالِكٌ أَنْ يَبْلُغَ بِالتَّشْمِيتِ ثَلَاثًا فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَلَا يُشَمِّتْهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا وَرَدَ الْحَدِيثُ بِالشَّكِّ ذَهَبَ إلَى الِاحْتِيَاطِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ: وَإِذَا عَطَسَ مِرَارًا مُتَوَالِيَةً سَقَطَ عَمَّنْ سَمِعَهُ تَشْمِيتُهُ.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا عَطَسَ فَقِيلَ لَهُ يَرْحَمُك اللَّهُ، قَالَ يَرْحَمُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ وَيَغْفِرُ لَنَا وَلَكُمْ) .

(ش) : قَوْلُهُ: إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا عَطَسَ يُرِيدُ فَحَمِدَ اللَّهَ وَاسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ لِعِلْمِ السَّامِعِ بِهِ فَقِيلَ لَهُ: يَرْحَمُك اللَّهُ، قَالَ: يَرْحَمُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ وَيَغْفِرُ لَنَا وَلَكُمْ.

وَقَدْ رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِذَا قِيلَ لَهُ يَرْحَمُك اللَّهُ فَلْيَقُلْ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ» وَالْأَمْرَانِ جَائِزَانِ وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَلْيَقُلْ لَهُ مَنْ عِنْدَهُ يَرْحَمُك اللَّهُ وَلْيَرُدَّ عَلَيْهِ بِيَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ» قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ الْعَاطِسُ لِمَنْ يُشَمِّتُهُ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ، وَإِنْ شَاءَ قَالَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنْ يَقُولَ لَهُ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ.

وَقَالَ النَّخَعِيُّ: إنَّ الْخَوَارِجَ كَانَتْ تَقُولُهُ وَلَا يَسْتَغْفِرُونَ لِلنَّاسِ.

وَرُوِيَ عَنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ مَنْعُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا كَانَ يَقُولُهُ لِلْيَهُودِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّمَا اسْتَحْسَنَّاهُ عَلَى قَوْلِنَا: يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ؛ لِأَنَّ الْهِدَايَةَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَغْفِرَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>