للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ رَائِحٌ إلَى الْمَسْجِدِ فَأَخْبَرْته بِاَلَّذِي قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ فَقَالَ عُبَادَةُ كَذَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ فَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ» ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُمَرَ عَنْ «سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ كُنْت أَسِيرُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بِطَرِيقِ مَكَّةَ قَالَ سَعِيدُ فَلَمَّا خَشِيت الصُّبْحَ نَزَلْت فَأَوْتَرْت ثُمَّ أَدْرَكْته فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَيْنَ كُنْت فَقُلْت لَهُ خَشِيت الصُّبْحَ فَنَزَلْت فَأَوْتَرْت فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَلَيْسَ لَك فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ فَقُلْت بَلَى وَاَللَّهِ فَقَالَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُوتِرُ عَلَى الْبَعِيرِ» ) .

ــ

[المنتقى]

(ش) : قَوْلُهُ إنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ مَعْنَى الْوَاجِبِ هُوَ مَا فِي تَرْكِهِ عِقَابٌ مِنْ حَيْثُ هُوَ تَرْكٌ لَهُ عَلَى وَجْهٍ مَا وَقَدْ عَبَّرَ بَعْضُ النَّاسِ بِالْوَاجِبِ عَنْ مُؤَكَّدِ السُّنَنِ اتِّسَاعًا وَمَجَازًا عَلَى حَسَبِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ فَإِنْ كَانَ مَنْ قَالَ إنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ يُرِيدُ ذَلِكَ فَهُوَ خِلَافٌ فِي عِبَارَةٍ وَلَا مَعْنَى لِمُعَارَضَتِهِ وَإِنْ كَانَ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ عَلَى حَسَبِ مَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ الْفَرَائِضَ فَهُوَ خِلَافٌ فِي مَعْنًى وَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ تُفْعَلُ فِي السَّفَرِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَلَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً كَسَائِرِ النَّوَافِلِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَرُحْت إلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَاعْتَرَضْت لَهُ وَهُوَ رَائِحٌ فِي الْمَسْجِدِ فَأَخْبَرْته بِاَلَّذِي قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِبَاحَةِ الْفَتْوَى بِمَا خَفَّ مِنْ الْمَسَائِلِ فِي الطُّرُقِ وَأَمَّا مَا طَالَ مِنْهَا وَأَشْكَلَ وَاحْتَاجَ إلَى التَّأَمُّلِ فَوَاجِبٌ عَلَى الْمُفْتِي أَنْ يَجْلِسَ لَهُ وَيَتَدَبَّرَهُ وَلَا يُفْتِيَ فِيهِ مُسْتَوْفِزًا وَلَا مَاشِيًا وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ وَفِيهِ إعْلَامُ الْمُفْتِي بِمَا قَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِمَّنْ عَسَى أَنْ يُخَالِفَهُ لِيَبْعَثَهُ ذَلِكَ عَلَى الِاجْتِهَادِ وَالْبَحْثِ وَهَذَا عَلَى سَلَامَةِ النُّفُوسِ وَخُلُوِّ الصُّدُورِ مِنْ الْغِلِّ وَالْحَسَدِ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ عُبَادَةَ كَذَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ يَعْنِي أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِالْأَمْرِ عَلَى مَا لَيْسَ عَلَيْهِ وَالْكَذِبُ يَنْقَسِمُ عَلَى قِسْمَيْنِ:

أَحَدِهِمَا: لَا يَأْثَمُ صَاحِبُهُ وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدِهِمَا: أَنْ يَقَعَ فِيهِ عَلَى وَجْهِ السَّهْوِ وَالْغَلَطِ فِيمَا خَفَى عَنْهُ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَتَعَمَّدَ ذَلِكَ فِيمَا لَا يَحِلُّ فِيهِ الصَّرْفُ مِثْلُ أَنْ يُؤَمِّنَ رَجُلًا يَسْتَتِرُ فَيَسْأَلُ عَنْهُ مَنْ يُرِيدُ قَتْلَهُ ظُلْمًا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَكْذِبَ عَنْهُ وَلَا يَصْرِفُهُ عَنْ مَوْضِعِهِ.

وَأَمَّا الْقَسَمُ الثَّانِي: فَيَأْثَمُ صَاحِبُهُ وَهُوَ مَا قَصَدَ فِيهِ إلَّا الْكَذِبَ مِمَّا حُصِرَ فِيهِ الْقَصْدُ إلَى الْكَذِبِ وَإِنَّمَا أَرَادَ عُبَادَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ وَهُوَ مَسْعُودُ بْنُ أَوْسٍ قَدْ أَتَى مِنْ ذَلِكَ بِمَا لَمْ يَرْضَهُ وَكَانَ عِنْدَهُ مِنْ تَدْقِيقِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يُخَالِفُهُ فَأَتَى بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ تَغْلِيظًا عَلَى مَنْ ذَهَبَ إلَى مُخَالَفَتِهِ لِمَا عِنْدَهُ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خِلَافُهُ فَإِنَّ مَنْ جَاءَ بِالْخَمْسِ الصَّلَوَاتِ الَّتِي كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ فَإِنَّ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَهَذَا يَنْفِي وُجُوبَ صَلَاةِ غَيْرِهَا.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ اُحْتُرِزَ مِنْ النِّسْيَانِ وَالسَّهْوِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ أَحَدًا الِاحْتِرَازُ مِنْهُ إلَّا مَنْ تَفَضَّلَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْعِصْمَةِ فَمَنْ نَقَصَ مِنْهُنَّ شَيْئًا عَالِمًا بِذَلِكَ وَقَادِرًا عَلَى إتْمَامِهِ فَذَلِكَ الْمُسْتَخِفُّ الَّذِي لَا عَهْدَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِهِنَّ فَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ نَصٌّ فِي أَنَّ مَنْ ارْتَكَبَ الْكَبَائِرَ فِي الْمَشِيئَةِ وَمَانِعٌ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّهُ لَا يُغْفَرُ لَهُ وَمَانِعٌ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّهُ كَافِرٌ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ إنْ كَانَ لَا يَأْتِي بِهَا مَعَ إيمَانِهِ بِهَا فَحُكْمُهُ فِي الدُّنْيَا أَنْ يُنْتَظَرَ خُرُوجُ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَإِنْ صَلَّاهَا وَإِلَّا قُتِلَ حَدًّا وَلَوْ تَرَكَهَا مُكَذِّبًا بِهَا اُسْتُتِيبَ ثَلَاثًا فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ كُفْرًا.

(ش) : قَوْلُهُ فَلَمَّا خَشِيت الصُّبْحَ نَزَلْت فَأَوْتَرْت يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَخَافُ طُلُوعَ الْفَجْرِ بِفَوَاتِ الْوِتْرِ وَلِذَلِكَ صَلَّى الْوِتْرَ حِينَ خَشِيَ طُلُوعَ الْفَجْرِ وَقَوْلُهُ أَلَيْسَ لَك فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>