للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلَى الْبِرِّ وَالْبِرَّ يَهْدِي إلَى الْجَنَّةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إلَى الْفُجُورِ وَالْفُجُورَ يَهْدِي إلَى النَّارِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ صَدَقَ وَبَرَّ وَكَذَبَ وَفَجَرَ) .

ــ

[المنتقى]

بِكَذِبِهِ شَيْئًا مِنْ مَالِهَا مِثْلَ أَنْ يُزَيِّنَ لَهَا مَا يُعْطِيهَا وَنَحْوُ هَذَا، وَإِنْ كَذَبَ وَقَوْلُهُ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ مَنْ رَأَى رَجُلًا مُسْلِمًا يُقْتَلُ ظُلْمًا وَيَعْرِفُ أَنَّهُ يُنْجِيهِ بِالْكَذِبِ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعٍ فَيَقُولُ: لَيْسَ هُوَ فِيهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَذِبُ فَكَيْفَ لَا يَجُوزُ لَهُ وَقَالَ قَوْمٌ لَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَّا عَلَى مَعْنَى التَّوْرِيَةِ وَالْأَلْغَازِ لَا عَلَى مَعْنَى تَعَمُّدِ الْكَذِبِ وَقَصْدِهِ، وَقَدْ تَأَوَّلُوا مَا حُكِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ ذَلِكَ عَلَى وُجُوهِ الْأَلْغَازِ.

وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَعَارِيضِ مَنْدُوحَةٌ عَنْ الْكَذِبِ وَرَوَى ابْنُ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّهِ أُمِّ كُلْثُومٍ أَنَّهَا سَمِعَتْ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يَمْشِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ فَيُنَمِّي خَيْرًا أَوْ يَقُولُهُ» .

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ الرَّجُلِ «أَعِدُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَقُولُ لَهَا فَقَالَ: لَا جُنَاحَ عَلَيْك» يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَعِدُهَا وَأَنَا أَعْتَقِدُ الْوَفَاءَ فَفَرَّقَ بَيْنَ الْمُسْتَقْبَلِ وَالْمَاضِي.

وَقَدْ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: الْكَذِبُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَاضِي وَالْخَلَفُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْمَاضِيَ لَا يَكُونُ إلَّا كَذِبًا فَأَمَّا الْمُسْتَقْبَلُ فَقَدْ يُمْكِنُهُ تَصْدِيقُ خَبَرِهِ يَنْصَرِفُ مَذْهَبُهُ إلَى فِعْلِ مَا أَخْبَرَ بِهِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكْذِبَ ثُمَّ آثَرَ أَنْ يَصْدُقَ فَصَدَقَ.

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلَى الْبِرِّ وَالْبِرَّ يَهْدِي إلَى الْجَنَّةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إلَى الْفُجُورِ وَالْفُجُورَ يَهْدِي إلَى النَّارِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ صَدَقَ وَبَرَّ وَكَذَبَ وَفَجَرَ) .

(ش) : قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْهُ عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ عَلَى مَعْنَى الْإِغْرَاءِ بِهِ وَالْحَضِّ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلَى الْبِرِّ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إلَى الْعَمَلِ الْخَالِصِ مِنْ الْمَأْثَمِ وَيُوصِلُ إلَيْهِ، وَقَوْلُهُ وَالْبِرُّ يَهْدِي إلَى الْجَنَّةِ مَعْنَاهُ يُرْشِدُ إلَى سَبِيلِهَا وَيُوصِلُ إلَيْهَا قَالَ: وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ عَلَى مَعْنَى التَّحْذِيرِ مِنْهُ وَقَوْلُهُ فَإِنَّ الْكَذِبَ وَهُوَ الْإِخْبَارُ بِالشَّيْءِ عَلَى مَا لَيْسَ هُوَ عَلَيْهِ يَهْدِي إلَى الْفُجُورِ، وَأَصْلُ الْفُجُورِ الْمَيْلُ عَنْ الْقَصْدِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {بَلْ يُرِيدُ الإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ} [القيامة: ٥] قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ مَعْنَاهُ أَنْ يَذْهَبَ فِي فُجُورِهِ قَدَمًا قَدَمًا، وَقَالَ غَيْرُهُ يُقَدِّمُ الذَّنْبَ وَيُؤَخِّرُ التَّوْبَةَ وَقِيلَ مَعْنَاهُ يُكَذِّبُ بِمَا أَمَامَهُ مِنْ الْقِيَامِ وَالْحِسَابِ يُقَالُ لِلْكَاذِبِ فَاجِرٌ كَذَّابٌ وَلِلْمُكَذِّبِ بِالْحَقِّ فَاجِرٌ، وَقَوْلُهُ وَالْفُجُورَ يَهْدِي إلَى النَّارِ، مَعْنَاهُ يَدْعُو إلَى سَبِيلِهَا وَيُوصِلُ إلَيْهَا.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُقَالُ صَدَقَ وَبَرَّ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الْبِرَّ مِمَّا يُؤَكَّدُ بِهِ الصِّدْقُ وَيُوصَفُ بِهِمَا الْفِعْلُ الْوَاحِدُ لِفَاعِلٍ وَاحِدٍ وَكَذَلِكَ الْكَذِبُ وَالْفُجُورُ لَمَّا كَانَ مَعْنَاهُمَا وَاحِدًا يُقَالُ فِيهِ كَذَبَ وَفَجَرَ فَيُوصَفُ فِيهِ الْفِعْلُ الْوَاحِدُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّهُ قِيلَ لِلُقْمَانَ مَا بَلَغَ بِك مَا نَرَى يُرِيدُونَ الْفَضْلَ فَقَالَ لُقْمَانُ صِدْقُ الْحَدِيثِ وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ وَتَرْكُ مَا لَا يَعْنِينِي) .

(ش) : قَوْلُهُ صِدْقُ الْحَدِيثِ وَأَدَاءُ الْأَمَانَةِ وَتَرْكُ مَا لَا يَعْنِينِي بِجَمْعِ أَبْوَابِ الْخَيْرِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة: ١١٩] .

وَقَالَ بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ رَأَيْت الْأَوْزَاعِيَّ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِي الْجَنَّةِ فَقُلْت: وَأَيْنَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ؟ فَقِيلَ: رُفِعَ، فَقُلْت بِمَاذَا؟ قَالَ: لِصِدْقِهِ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ كَانَ يُقَالُ «أَدِّ الْأَمَانَةَ إلَى مَنْ ائْتَمَنَك وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَك» وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» .

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ: لَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَكْذِبُ وَتُنْكَتُ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ حَتَّى يَسْوَدَّ قَلْبُهُ فَيُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الْكَاذِبِينَ مَالِكٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ قَالَ «قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقِيلَ: لَهُ أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلًا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقِيلَ: لَهُ أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّابًا؟ فَقَالَ: لَا» .

(ش) : قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَكْذِبُ وَتَنْكُتُ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْهَرَوِيُّ النُّكْتَةُ الْأَثَرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>