للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ رَأَيْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فِي السَّفَرِ وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ إيمَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَضَعَ وَجْهَهُ عَلَى شَيْءٍ) .

ــ

[المنتقى]

يَسِيرًا وَلْيُصَلِّ قِبَلَ وَجْهِهِ.

وَجْهُ ذَلِكَ الِاقْتِدَاءُ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ وَمَفْهُومُ ذَلِكَ أَنْ يَجْلِسَ عَلَيْهَا عَلَى هَيْئَتِهِ الَّتِي يَرْكَبُهَا عَلَيْهَا غَالِبًا وَيَسْتَقْبِلَ بِوَجْهِهِ مَا اسْتَقْبَلَتْهُ الرَّاحِلَةُ فَتَقْدِيرُهُ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ إلَى حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ وَقَدْ كَانَ يَحْتَمِلُ غَيْرَ هَذَا التَّقْدِيرِ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ وَهِيَ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِقَوْلِهِ يُصَلِّي وَعَلَى التَّأْوِيلِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ عَلَى رَاحِلَتِهِ غَيْرَ أَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ أَمْرَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ رُوِيَ مُفَسَّرًا وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عَلَى الرَّحْلِ يُسَبِّحُ يُومِئُ بِرَأْسِهِ قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ» .

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي ذِكْرِ قَوْلِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ إذَا كَانَ يَنْحَرِفُ إلَى الْقِبْلَةِ إلَّا مَا فِي قَوْلِهِ عَنْ رَاحِلَتِهِ إلَّا أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي إلَى حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ مَعَ أَنَّ الْإِجْمَاعَ قَدْ انْعَقَدَ عَلَى تَجْوِيزِ ذَلِكَ وَعَلَى حَمْلِ تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَذَا فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ وَأَمَّا افْتِتَاحُهَا فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّ الِافْتِتَاحَ وَغَيْرَهُ سَوَاءٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ حَنْبَلٍ يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ إلَى الْقِبْلَةِ ثُمَّ يُصَلِّي كَيْفَ أَمْكَنَهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ النَّافِلَةِ فَجَازَ أَنْ يَفْعَلَ فِي السَّفَرِ عَلَى الرَّاحِلَةِ إلَى حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَنْ تَنَفَّلَ فِي السَّفِينَةِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ يَتَنَفَّلُ فِيهَا حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ كَالدَّابَّةِ.

وَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَتَنَفَّلُ إلَّا إلَى الْقِبْلَةِ بِخِلَافِ الرَّاحِلَةِ.

وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّهَا كَثِيرَةُ التَّحَرُّفِ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ فَكَانَتْ الْمَشَقَّةُ تَلْحَقُ بِاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فِيهَا كَالرَّاحِلَةِ.

وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهَا وَاسِعَةُ الِانْحِرَافِ فِيهَا كَالْأَرْضِ بِخِلَافِ الرَّاحِلَةِ.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ رَأَيْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فِي السَّفَرِ وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ إيمَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَضَعَ وَجْهَهُ عَلَى شَيْءٍ) .

(ش) : ذَكَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَوَجُّهَ أَنَسٍ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَظَاهِرُهُ مِنْ طَرِيقِ الْعَادَةِ أَنَّهُ كَانَ مُسْتَقْبِلَ غَيْرَ الْقِبْلَةِ وَيَحْتَمِلُ مِنْ جِهَةِ اللَّفْظِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ رَاجِعًا إلَى الْحِمَارِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ مُفَسَّرًا.

وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ اسْتَقْبَلْنَا «أَنَسًا حِينَ قَدِمَ مِنْ الشَّامِ فَلَقِيَنَا بِعَيْنِ التَّمْرِ فَرَأَيْته يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ. وَوَجْهُهُ مِنْ ذِي الْجَانِبِ يَعْنِي مِنْ يَسَارِ الْقِبْلَةِ فَقُلْت رَأَيْتُك تُصَلِّي لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ فَقَالَ لَوْلَا أَنِّي رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَفْعَلُهُ لَمْ أَفْعَلْهُ» وَقَوْلُهُ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ إيمَاءً يُرِيدُ أَنَّهُ يُشِيرُ إلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَلَا يَأْتِي بِهِ عَلَى هَيْئَتِهِ وَهَذِهِ سُنَّةُ الصَّلَاةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ رَبِيعَةَ الْمُتَقَدِّمُ يُومِئُ بِرَأْسِهِ إيمَاءً قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ بِوَجْهِهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ إيمَاءُ سُجُودِهِ أَخْفَضَ مِنْ إيمَاءِ رُكُوعِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِحَاجَةٍ فَجِئْت وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ وَيُومِئُ إيمَاءَ السُّجُودِ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ» .

(فَرْعٌ) وَهَذَا لِمَنْ كَانَ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَأَمَّا مَنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ فَتَنَفَّلَ يَجُوزُ أَنْ يُومِئَ فِي النَّافِلَةِ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا يُومِئُ الْجَالِسُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ.

قَالَ عِيسَى فِي النَّوَافِلِ وَغَيْرِهَا وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَهُ أَنْ يُومِئَ فِي النَّوَافِلِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَمَالُهُ أَنْ يَدَعَ الْقِيَامَ فِي النَّوَافِلِ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ.

وَقَدْ رَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ إنْ أَوْمَأَ فِي النَّوَافِلِ أَجْزَأَهُ وَكَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى الْكَرَاهِيَةِ وَظَاهِرُ قَوْلِ عِيسَى الْمَنْعُ وَجْهُهُ أَنَّ الْإِيمَاءَ لَيْسَ بِهَيْئَةٍ مِنْ هَيْئَاتِ الصَّلَاةِ فَلَا يَكُونُ بَدَلًا مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْجُلُوسِ مِنْ هَيْئَةِ الصَّلَاةِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنْ الْقِيَامِ فِي النَّافِلَةِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى الْكُورِ وَلَا عَلَى الْقَرَبُوسِ وَإِنَّمَا سُنَّتُهُ أَنْ يُومِئَ إيمَاءً قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ سُنَّتَهُ الْإِيمَاءُ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى مُبَاشَرَةِ الْأَرْضِ وَلَا مَا يَقُومُ مَقَامَهَا بِالسُّجُودِ كَالْمُضْطَجِعِ وَوَجْهٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>