للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

لَمْ يَبْلُغْهُمْ ذَلِكَ إلَّا فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَلِذَلِكَ قَالَ هَذَا الْمُخْبِرُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ قَالَ أَبُو بِشْرٍ الدُّولَابِيُّ «زَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَّ بِشْرٍ فِي بَنِي سَلِمَةَ وَصَلَّى الظُّهْرَ فِي مَسْجِدِ الْقِبْلَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ إلَى الشَّامِ ثُمَّ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فَاسْتَدَارَ وَدَارَتْ الصُّفُوفُ خَلْفَهُ فَصَلَّى الْبَقِيَّةَ إلَى مَكَّةَ» .

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ يَعْنِي فِي صَلَاتِهِ لِأَنَّ الِاسْتِقْبَالَ إنَّمَا هُوَ فِيهَا وَأَمْرُهُ بِاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ نَسْخٌ لِاسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِالصَّلَاةِ وَنَهْيٌ عَنْهُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إلَى الشَّامِ فَاسْتَدَارُوا إلَى الْكَعْبَةِ عَمَلٌ بِإِخْبَارِ الْآحَادِ مَعَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا فِي شُهْرَتِهِ لَا يَخْفَى عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَقَرَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ وَفِيهِ أَيْضًا أَنَّ الْأَمْرَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْعِبَادَةِ مُتَوَجِّهٌ إلَيْنَا مِنْ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْنَا اتِّبَاعُهُ وَلِذَلِكَ لَمَّا أَخْبَرَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ رَجَعُوا إلَى الْقِبْلَةِ الَّتِي صُرِفَ إلَيْهَا وَظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ بَنَوْا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ صَلَاتِهِمْ وَلَوْ شَرَعَ أَحَدٌ فِي صَلَاةٍ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَهُوَ يَظُنُّهَا إلَى الْقِبْلَةِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ صَلَاتَهُ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ فَإِنْ كَانَ مُنْحَرِفًا انْحِرَافًا يَسِيرًا رَجَعَ إلَى الْقِبْلَةِ وَبَنَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ لِأَنَّهُ صَلَّى إلَى جِهَةٍ شُرِعَ الصَّلَاةُ إلَيْهَا مَعَ الِاجْتِهَادِ وَوُجُودِ أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنْ كَانَ مُسْتَدْبِرًا لَهَا أَوْ مُنْحَرِفًا عَنْهَا انْحِرَافًا كَثِيرًا مُشَرِّقًا أَوْ مُغَرِّبًا اسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ افْتَتَحَهَا إلَى جِهَةٍ لَا يَدْخُلُهَا الِاجْتِهَادُ مَعَ إدْرَاكِ عَلَامَاتِ الْقِبْلَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِ قُبَاءَ أَنَّ أَهْلَ قُبَاءَ افْتَتَحُوا الصَّلَاةَ إلَى مَا شُرِعَ لَهُمْ مِنْ الْقِبْلَةِ فَلَمَّا طَرَأَ النَّسْخُ فِي نَفْسِ الْعِبَادَةِ لَمْ يَجُزْ إفْسَادُ مَا تَقَدَّمَ مِنْهَا عَلَى الصِّحَّةِ فَهَذَا الَّذِي افْتَتَحَ صَلَاتَهُ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ لَمْ يَفْتَتِحْهَا عَلَى مَا شَرَعَ وَلَا عَلَى جِهَةٍ يَجْتَهِدُ فِيهَا مَعَ إدْرَاكِ عَلَامَاتِ الْقِبْلَةِ فَكَانَ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُهَا.

(فَرْعٌ) فَإِنْ أَتَمَّ صَلَاتَهُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ بَعْدَ تَمَامِ صَلَاتِهِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ مَنْ اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ أَوْ شَرَّقَ أَوْ غَرَّبَ مُخْطِئًا لِلْقِبْلَةِ أَعَادَ فِي الْوَقْتِ دُونَ مَا بَعْدَهُ.

وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ تَبَيَّنَ الْقِبْلَةَ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ يَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ فَفَرَّقَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ لِمَا كَانَ إذَا أَتَمَّ الصَّلَاةَ أَعَادَهَا فِي الْوَقْتِ أَمَرَهُ أَنْ لَا يُتِمَّهَا عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَهَذَا الْأَصْلُ تَتَشَعَّبُ مِنْهُ مَسَائِلُ يَجِبُ أَنْ نُبَيِّنَهَا فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ وَنَسِيَ تَكْبِيرَةَ الِافْتِتَاحِ يَتَمَادَى وَيُعِيدُ وَقَالَ ذَلِكَ فِي عِدَّةِ مَسَائِلَ يَتَمَادَى وَيُعِيدُ وَذَلِكَ أَنَّ مَا تَرَدَّدَ الْأَمْرُ فِيهِ عِنْدَهُ بَيْنَ الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ أَمَرَهُ بِالتَّمَامِ لِئَلَّا يُبْطِلَ عَمَلًا يَخْتَلِفُ فِيهِ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيُؤَدِّيَ الْعِبَادَةَ بِيَقِينٍ فَكَيْفَ بِصَلَاةٍ هِيَ إذَا تَمَّتْ عِنْدَهُ صَلَاةٌ يَقْضِي بِهَا الْفَرْضَ كَانَتْ أَوْلَى بِأَنْ يَتَمَادَى عَلَيْهَا ثُمَّ يُعِيدُهَا غَيْرَ أَنَّهُ يُرَاعِي فِي ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الصَّلَاةُ مُجْزِيَةً أَوْ مُخْتَلَفًا فِيهَا مَعَ ذِكْرِهِ لِلْمَعْنَى الْمُؤَثِّرِ فِيهَا فَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَعْنَى الْمُؤَثِّرُ فِي الْعِبَادَةِ يُؤَثِّرُ فِيهَا مَعَ الْيَقِينِ فَلَا يَجُوزُ مَعَهُ وَإِنَّمَا يَجُوزُ مَعَ النِّسْيَانِ فَإِنَّ ذِكْرَهُ لِذَلِكَ الْمَعْنَى فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ يَمْنَعُ عِنْدَهُ إتْمَامَهَا وَيُوجِبُ إبْطَالَ مَا مَضَى مِنْهَا كَذِكْرِهِ لِصَلَاةٍ فِي صَلَاةٍ.

(فَرْعٌ) وَقَوْلُ مَالِكٍ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ صَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ عَلِمَ بِذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ صَلَاتِهِ فَاَلَّذِي رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ يُعِيدُ الصَّلَاةَ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَهَذَا قَوْلٌ مُجْمَلٌ وَذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْمُصَلِّيَ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ لَا يَخْلُو أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ مَعَ عَدَمِ أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ أَوْ مَعَ وُجُودِهَا وَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا فِي ذَلِكَ فَرْقًا بَيْنَهُمَا غَيْرَ أَنَّ أَبَا الْحَسَنِ بْنَ الْقَصَّارِ ذَكَر عَنْ مَالِكٍ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ مُجْتَهِدًا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ اسْتِحْبَابًا وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي إشْرَافِهِ مَنْ عَمِيَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ فَصَلَّى إلَى مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهَا جِهَتُهَا ثُمَّ بَانَ لَهُ الْخَطَأُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةٌ خِلَافًا لِلْمُغِيرَةِ وَمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَاَلَّذِي قَالَهُ الْمُغِيرَةُ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>