للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ عَزَائِمَ سُجُودِ الْقُرْآنِ إحْدَى عَشْرَةَ سَجْدَةً لَيْسَ فِي الْمُفَصَّلِ مِنْهَا شَيْءٌ) .

ــ

[المنتقى]

مَا عِنْدَهُ مِنْ أَمْرِ السُّجُودِ وَإِنَّ فِعْلَهُ وَتَرْكَهُ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ هَلْ مِنْهُمْ أَحَدٌ يُخَالِفُهُ فِي رَأْيِهِ أَمْ لَا وَلَمْ يَجِدْ مَجْلِسًا أَجْمَلَ مِنْ اجْتِمَاعِ النَّاسِ عِنْدَ خُطْبَةِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَقَرَأَهَا عَلَى الْمِنْبَرِ فَسَجَدَ قَالَ وَسَجَدْنَا مَعَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَأَضَافَ الْخَطَّابُ إلَيْهِ لِمَا كَانَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ وَإِلَّا فَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ عُرْوَةَ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابَ وَإِنَّمَا وُلِدَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ وَأَكْثَرُ مَا يَذْكُرُ حِصَارَ عُثْمَانَ.

وَقَدْ كَرِهَ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ عَنْهُ أَنْ يَنْزِلَ الْإِمَامُ عَنْ الْمِنْبَرِ لِيَسْجُدَ سَجْدَةً قَرَأَهَا وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ لَا يَقْرَأُ بِهَا فَإِنْ فَعَلَ فَلْيَنْزِلْ فَلْيَسْجُدْهَا وَيَسْجُدُ النَّاسُ مَعَهُ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُتَّبَعُ عَلَيْهِ عُمَرُ وَلَا عَمِلَ أَحَدٌ بَعْدَهُ وَلَعَلَّ عُمَرَ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ تَعْلِيمًا لِلنَّاسِ وَخَافَ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ خِلَافٌ فَيُبَادِرُ إلَى حَسْمِهِ وَكَانَ ذَلِكَ الْوَقْتُ لَمْ يَعُمَّ كَثِيرٌ مِنْ الْأَحْكَامِ النَّاسَ وَقَدْ تَقَرَّرَتْ الْآنَ الْأَحْكَامُ وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى كَثِيرٍ مِنْهَا وَعُرِفَ الْخِلَافُ السَّائِغُ فِي سِوَاهَا فَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ التَّخْلِيطِ عَلَى النَّاسِ بِالْفَرَاغِ مِنْ الْخُطْبَةِ وَالْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَمَّا وَضَعَ الْمِنْبَرَ صَلَّى عَلَيْهِ بِالنَّاسِ فَكَانَ يَقُومُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَإِذَا أَرَادَ السُّجُودَ نَزَلَ ثُمَّ إذَا قَامَ أَرْقَى الْمِنْبَرَ فَقَامَ عَلَيْهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ أَنِّي فَعَلْت ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا صَلَاتِي» وَلَا يُفْعَلُ ذَلِكَ الْيَوْمَ لِأَنَّ النَّاسَ قَدْ عَمَّهُمْ عِلْمُ ذَلِكَ.

وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ فِعْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ الْحَاضِرِينَ مَعَ كَثْرَةِ عَدَدِهِمْ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَسَجَدَ وَسَجَدْنَا مَعَهُ إنَّمَا سَجَدُوا مَعَهُ لِأَنَّهُمْ اسْتَمَعُوا قِرَاءَتَهُ وَهَذَا حُكْمُ مَنْ جَلَسَ إلَى الْقَائِمِ يَسْمَعُ قِرَاءَتَهُ أَنْ يَسْجُدَ بِسُجُودِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ عَلَيْنَا السُّورَةَ فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ حَتَّى مَا يَجِدَ أَحَدُنَا مَوْضِعًا لِجَبْهَتِهِ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُمْ لَمَّا جَلَسُوا إلَيْهِ لِهَذَا الْمَعْنَى لَزِمَهُمْ أَنْ يُنْصِتُوا لِقِرَاءَتِهِ وَمَنْ لَزِمَهُ الْإِنْصَاتُ لِقِرَاءَةِ الْقَارِئِ لَزِمَهُ أَنْ يَسْجُدَ لِسُجُودِ تِلَاوَتِهِ كَالْمُصَلِّي.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ عَلَى رِسْلِكُمْ إنَّ اللَّهَ لَمْ يَكْتُبْهَا عَلَيْنَا إلَّا أَنْ نَشَاءَ بَيَانٌ أَنَّ سُجُودَ التِّلَاوَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ.

وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ الصَّحَابَةُ حِينَ تَرَكُوا الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ، وَإِجْمَاعُهُمْ مَعَهُ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ سُجُودُ التِّلَاوَةِ وَاجِبٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ فِي خَبَرِ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمِ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا سُجُودٌ يُفْعَلُ فِي السَّفَرِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَلَمْ يَكُنْ وَاجِبًا كَسُجُودِ النَّوَافِلِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ فَإِنَّهُ مُؤَكَّدٌ وَكَرِهَ مَالِكٌ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْرَأَ السَّجْدَةَ وَلَا يَسْجُدُ دُونَ مَانِعٍ لِمَا قَدَّمْنَاهُ وَكَرِهَ أَنْ يُخَطْرَفَ مَوْضِعُ السَّجْدَةِ وَهُوَ عَلَى طَهَارَةٍ وَفِي وَقْتِ سُجُودٍ كَمَا كَرِهَ أَنْ يَقْرَأَهَا وَلَا يَسْجُدُ لَهَا لِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْوُجْهَتَيْنِ تَرْكٌ لِسُجُودَيْهَا.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَكَرِهَ أَنْ يَقْرَأَ مَوْضِعَ السَّجْدَةِ خَاصَّةً لِيَسْجُدَ وَلَا يَقْرَأُ مَا قَبْلَهَا وَلَا مَا بَعْدَهَا.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَسُجُودُ تِلَاوَةٍ وَإِنَّمَا شُرِعَ لِلتَّالِي فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ مَوْضِعِهِ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِهِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَزَائِمُ سُجُودِ الْقُرْآنِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً فَأَثْبَتَ مَعَ مَا قَالَهُ ابْنُ نَافِعٍ ثَلَاثَ سَجَدَاتٍ فِي الْمُفَصَّلِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.

وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَزَائِمُ السُّجُودِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً فَزَادَ إلَيْهَا الْآخِرَةَ مِنْ الْحَجِّ وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَزَائِمُ سُجُودِ الْقُرْآنِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً أَثْبَتَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ السُّجُودِ وَأَسْقَطَ سَجْدَةً وَقَالَ سَجْدَةُ شُكْرٍ وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ قَرَأَ بِهَا فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَسْجُدْ فَإِنْ سَجَدَ فَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ أَوْ لَا لِأَصْحَابِهِ فِي ذَلِكَ وَجْهَانِ.

وَقَدْ أَجَابَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ عَمَّا رُوِيَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصِّحَاحِ فِي سُجُودِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُفَصَّلِ أَنَّ مَالِكًا لَا يَمْنَعُ السُّجُودَ فِي الْمُفَصَّلِ وَإِنَّمَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ مِنْ عَزَائِمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>