للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

وَإِجْلَالًا لَهُ وَإِشْفَاقًا عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يُوقِظُوهُ فِي وَقْتِ رَاحَتِهِ مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَا يُوقَظُ مِنْ نَوْمِهِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَدْرُونَ مَا يَحْدُثُ لَهُ فِي نَوْمِهِ وَمُقْتَضَى ذَلِكَ تَعْجِيلُهُمْ بِالْجَنَائِزِ وَظَنُّوا أَنَّ الْأَمْرَ بِذَلِكَ آكَدُ مِنْ أَمْرِهِ بِأَنْ يُؤْذِنُوهُ.

وَقَدْ رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «أَسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إلَيْهِ، وَإِنْ تَكُ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» .

وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ لَا يُمْشَى بِالْجِنَازَةِ الْهُوَيْنَى وَلَكِنْ مِشْيَةَ الرَّجُلِ الشَّابِّ وَهَذَا إذَا كَانَتْ فِي الْبَرِّ فَإِنْ كَانَتْ فِي الْبَحْرِ فَعَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنْ لَمْ يُرْجَ الْبَرُّ قَبْلَ التَّغَيُّرِ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَرُمِيَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَلَمْ آمُرْكُمْ أَنْ تُؤْذِنُونِي» تَذْكِيرًا لَهُمْ بِأَمْرِهِ إيَّاهُمْ وَنَهْيًا لَهُمْ عَنْ اسْتِدَامَةِ مِثْلِ هَذَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ وَأَنَّ أَمْرَهُ لَهُمْ بِذَلِكَ كَانَ مُؤَكَّدًا وَأَنَّ اهْتِبَالَهُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ مِنْ الضُّعَفَاءِ وَالْمَسَاكِينِ شَدِيدٌ فَاعْتَذَرُوا إلَيْهِ بِأَنَّ الْمَانِعَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْإِشْفَاقُ مِنْ إخْرَاجِهِ فِي اللَّيْلِ وَإِيقَاظِهِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرِيدُ إلَى مَوْضِعِ قَبْرِهَا حَتَّى صَفَّ النَّاسَ عَلَى قَبْرِهَا وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الصُّفُوفَ عَلَى الْجِنَازَةِ مَسْنُونَةٌ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَأَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ جَمَاعَةٌ وَلِذَلِكَ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهَا وَحْدَهُ، وَإِنْ كَانَ مَنْ يُصَلِّي عَلَى الْمَيِّتِ النِّسَاءُ فَقَطْ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يُصَلِّينَ أَفْذَاذًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ صَلَاةٌ فَلَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ فِيهَا إمَامًا كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ.

وَقَالَ أَشْهَبُ تَؤُمُّهُنَّ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ أَيْمَنَ عَنْ مَالِكٍ فِي إمَامَةِ الْمَرْأَةِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ «فَصَفَّ بِالنَّاسِ عَلَى قَبْرِهَا وَكَبَّرَ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ» بَيَّنَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ وَعَلَى هَذَا جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا غَيْرِ أَشْهَبَ وَسَحْنُونٍ فَإِنَّهُمَا قَالَا إنْ نَسِيَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى الْمَيِّتِ فَلَا يُصَلِّ عَلَى قَبْرِهِ وَلْيَدْعُ لَهُ قَالَ سَحْنُونٌ وَلَا أَجْعَلُهُ ذَرِيعَةً إلَى الصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ فِي الْقُبُورِ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَائِرُ أَصْحَابِنَا يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ إذَا فَاتَتْ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَمَّا إذَا لَمْ تَفُتْ فَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: إنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالدَّلِيلُ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ فِيمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا حُكْمٌ يَجِبُ فِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتَكَرَّر مَعَ بَقَاءِ حُكْمِ الْأَصْلِ كَالْغُسْلِ، وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ وَالشَّافِعِيِّ تَعَلُّقُهَا بِصَلَاةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى هَذِهِ الْمَرْأَةِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ امْتِثَالُهُ لَمَعَانٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَّلَ صَلَاتَهُ عَلَى الْقُبُورِ بِمَا لَا طَرِيقَ لَنَا إلَى الْعِلْمِ بِأَنَّ حُكْمَ غَيْرِهِ فِيهِ كَحُكْمِهِ فَقَالَ إنَّ هَذِهِ الْقُبُورَ مُمْتَلِئَةٌ ظُلْمَةً، وَاَللَّهُ يُنَوِّرُهَا بِصَلَاتِي عَلَيْهِمْ، وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلصَّلَاةِ عَلَى الْجَنَائِزِ وَالْوَلِيُّ فِيهَا فَإِذَا صَلَّى غَيْرُهُ لَمْ يَسْقُطْ فَرْضُ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا وَهَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنَّ الْفَرْضَ يَسْقُطُ وَلَا تُعَادُ الصَّلَاةُ غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ دَفَنَهَا حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهَا فَقَالَ إنْ مَاتَتْ فَلَا تَدْفِنُوهَا حَتَّى أُصَلِّيَ عَلَيْهَا.

وَرُوِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «لَا يَمُوتَنَّ فِيكُمْ مَيِّتٌ مَا دُمْت بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ إلَّا آذَنْتُمُونِي بِهِ فَإِنَّ صَلَاتِي لَهُ رَحْمَةٌ» رَوَى ذَلِكَ فِي الْوَجْهَيْنِ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَوِيُّ فَلَمَّا كَانَ قَدْ نَهَى أَنْ تُدْفَنَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا لَمْ تَكُنْ صَلَاتُهُمْ دُونَهُ تُسْقِطُ فَرْضَ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا، وَوَجْهٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّنَا لَا نَقُولُ إنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى قَبْرٍ بِوَجْهٍ فَيُحْتَجُّ عَلَيْنَا بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى قَبْرٍ، وَإِنَّمَا نَقُولُ إنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلَّى عَلَى قَبْرِ مَنْ قَدْ صُلِّيَ عَلَيْهِ قَبْلَ الدَّفْنِ فَيَجِبُ أَنْ يُحْتَجَّ عَلَيْنَا بِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى عَلَى قَبْرٍ كَانَ قَدْ صُلِّيَ عَلَى مَنْ دُفِنَ فِيهِ وَلَا طَرِيقَ لَهُمْ إلَى إثْبَاتِ ذَلِكَ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَقُولُوا إنَّ هَذِهِ الْمِسْكِينَةَ قَدْ صُلِّيَ عَلَيْهَا إلَّا وَلَنَا أَنْ نَقُولَ لَمْ يَكُنْ صُلِّيَ عَلَيْهَا، وَإِذَا تَسَاوَى الدَّعْوَتَانِ لَمْ يَصِحَّ الِاحْتِجَاجُ بِخَبَرِهَا عَلَى أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ «لَمَّا دُفِنَ الرَّجُلُ لَيْلًا نَهَى النَّبِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>