للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ الدِّيلِيِّ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ فَقَالَ مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْمُسْتَرِيحُ وَمَا الْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ قَالَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إلَى رَحْمَةِ اللَّهِ وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ» ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ أَنَّهَا قَالَتْ سَمِعْت «عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَقُولُ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ لَيْلَةٍ فَلَبِسَ ثِيَابَهُ، ثُمَّ خَرَجَ قَالَتْ فَأَمَرْتُ جَارِيَتِي بَرِيرَةَ تَتْبَعُهُ فَتَبِعَتْهُ حَتَّى جَاءَ الْبَقِيعَ فَوَقَفَ فِي أَدْنَاهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقِفَ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَسَبَقَتْهُ بَرِيرَةُ فَأَخْبَرَتْنِي فَلَمْ أَذْكُرْ لَهُ شَيْئًا حَتَّى أَصْبَحَ، ثُمَّ ذَكَرْت لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ إنِّي بُعِثْت لِأَهْلِ الْبَقِيعِ لِأُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ» ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ أَسْرِعُوا بِجَنَائِزِكُمْ فَإِنَّمَا هُوَ خَيْرٌ

ــ

[المنتقى]

يَتَمَنَّى النَّاسُ مَعَهَا الْمَوْتَ وَأَنَّهُ يَغْبِطُ الْحَيُّ صَاحِبَ الْقَبْرِ وَيَوَدُّ لَوْ أَنَّهُ مَكَانَهُ وَذَلِكَ يَكُونُ إمَّا لِفِتَنٍ لَا يَأْمَنُ الْمُؤْمِنُ أَمْرَهَا فَيَتَمَنَّى الْمَوْتَ لِلنَّجَاةِ مِنْهَا وَإِمَّا لِشِدَّةٍ مِنْ الزَّمَانِ وَفِتَنٍ مِنْ الدُّنْيَا يَهْلِكُ مَنْ شَاهَدَهَا فَيَتَمَنَّى الْمَوْتَ؛ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ مِنْهَا وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إطْلَاقُ تَمَنِّي الْمَوْتِ مَعَ أَنَّ تَمَنِّي الْمَوْتِ خَوْفَ الْفِتْنَةِ غَيْرُ مَحْظُورٍ، وَإِنَّمَا الَّذِي وَرَدَ الشَّرْعُ بِمَنْعِهِ تَمَّنِي الْمَوْتِ لِضَرَرٍ يَنْزِلُ بِالْإِنْسَانِ.

(ش) : قَوْلُهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا رَأَى الْجِنَازَةَ مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ» يُرِيدُ أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْ النَّاسِ عَلَى ضَرْبَيْنِ: ضَرْبٌ يَسْتَرِيحُ، وَضَرْبٌ يُسْتَرَاحُ مِنْهُ فَسَأَلُوهُ عَنْ تَفْسِيرِ مُرَادِهِ بِذَلِكَ فَأَخْبَرَ أَنَّ الْمُسْتَرِيحَ هُوَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَصِيرُ إلَى رَحْمَةِ اللَّهِ وَمَا أَعَدَّ لَهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَالنِّعْمَةِ وَيَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَتَعَبِهَا وَأَذَاهَا وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ هُوَ الْعَبْدُ الْفَاجِرُ فَإِنَّهُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَذَاهُ لِلْعِبَادِ بِظُلْمِهِمْ وَأَذَاهُ لِلْأَرْضِ وَالشَّجَرِ بِغَصْبِهَا مِنْ حَقِّهَا وَصَرْفِهَا إلَى غَيْرِ وَجْهِهَا وَإِتْعَابِ الدَّوَابِّ بِمَا لَا يَجُوزُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ فَهَذَا مُسْتَرَاحٌ مِنْهُ، وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ مَعْنَى يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ أَنَّهُمْ يَسْتَرِيحُونَ مِمَّا يَأْتِي بِهِ مِنْ الْمُنْكَرِ فَإِنْ أَنْكَرُوا عَلَيْهِ نَالَهُمْ أَذَاهُ، وَإِنْ تَرَكُوهُ أَثِمُوا وَاسْتِرَاحَةُ الْبِلَادِ أَنَّهُ بِمَا يَأْتِي مِنْ الْمَعَاصِي تَخْرُبُ الْأَرْضُ فَيَهْلِكُ لِذَلِكَ الْحَرْثُ وَالنَّسْلُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مَنْ نَالَهُ الْأَذَى مِنْ أَهْلِ الْمُنْكَرِ لَا يَأْثَمُ بِتَرْكِ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ وَيَكْفِيه أَنْ يُنْكِرَهُ بِقَلْبِهِ أَوْ بِوَجْهٍ لَا يَنَالُهُ بِهِ أَذَاهُ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ مُفَسَّرًا فِي الْجَامِعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ (ص) .

(مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ وَمُرَّ بِجِنَازَتِهِ ذَهَبْتَ وَلَمْ تَلَبَّسْ مِنْهَا بِشَيْءٍ» ) (ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ذَهَبْتَ وَلَمْ تَلَبَّسْ مِنْهَا بِشَيْءٍ» يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - الدُّنْيَا فَإِنَّهُ لَمْ يَنَلْ مِنْهَا شَيْئًا لِمَوْتِهِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُفْتَحَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الدُّنْيَا فَيَتَلَبَّسُونَ بِهَا مَعَ زُهْدِهِ فِيمَا كَانَ يَنَالُهُ مِنْهَا وَهَذِهِ فَضِيلَةٌ لِعُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ فَإِنَّهُ هَاجَرَ إلَى اللَّهِ فَذَهَبَ وَلَمْ يَنَلْ مِنْ الدُّنْيَا شَيْئًا فَبَقِيَ أَجْرُهُ كَامِلًا، وَقَدْ غَبِطَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ فِي ذَلِكَ.

(ش) : أَمْرُهَا جَارِيَتِهَا بَرِيرَةَ بِاتِّبَاعِهِ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عَلِمَتْ إبَاحَةَ ذَلِكَ لَمَّا رَأَتْهُ خَرَجَ إلَى مَوْضِعٍ لَا يُمْكِنُ السَّتْرُ فِيهِ مِنْ النَّاسِ لِجَوَازِ تَصَرُّفِهِمْ فِي الطُّرُقَاتِ وَالصَّحَارِي فَاسْتَجَازَتْ الِاطِّلَاعَ عَلَى أَثَرِهِ وَالتَّسَبُّبَ إلَى مَعْرِفَةِ مَا خَرَجَ لَهُ لِذَلِكَ وَلَوْ دَخَلَ مَوْضِعًا يَنْفَرِدُ فِيهِ لَمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِ وَلَا تَبِعَتْهُ فِيهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ أَرْسَلَتْهَا لِاتِّبَاعِهِ لِتَسْتَفِيدَ عِلْمًا مِمَّا يَفْعَلُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ صَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَةً مِنْهَا وَخَوْفًا أَنْ يَأْتِيَ بَعْضَ حُجَرِ نِسَائِهِ، وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ.

(فَصْلٌ) :

وَوُقُوفُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَدْنَى الْبَقِيعِ مَا شَاءَ اللَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِلدُّعَاءِ لَهُمْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ صَلَاتَهُ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَى مَيِّتٍ بَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ وَفِي هَذَا إتْيَانُ الْقُبُورِ وَالدُّعَاءُ لِأَهْلِهَا عِنْدَهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>