للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ «سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَمَضَانَ فَلَمْ يَعِبْ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ» ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الْأَسْلَمِيَّ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي رَجُلٌ أَصُومُ أَفَأَصُومُ فِي السَّفَرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنْ شِئْت فَصُمْ، وَإِنْ شِئْت فَأَفْطِرْ» ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ فِي رَمَضَانَ وَنُسَافِرُ مَعَهُ فَيَصُومُ عُرْوَةُ وَنُفْطِرُ نَحْنُ فَلَا يَأْمُرْنَا بِالصِّيَامِ) .

ــ

[المنتقى]

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

وَقَدْ مَنَعَ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا لِلْمُسَافِرِ الْفِطْرَ بَعْدَ انْعِقَادِ صَوْمِهِ فِي سَفَرِهِ وَأَوْجَبَ مَالِكٌ عَلَيْهِ بِهِ الْكَفَّارَةَ، وَقَالَ مُطَّرِفٍ ذَلِكَ مُبَاحٌ لَهُ سَوَاءٌ بَيَّتَ أَوْ لَمْ يُبَيِّتْ وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَحَمَلَهُ عَلَى اسْتِبَاحَةِ الْفِطْرِ بَعْدَ التَّلَبُّسِ بِالصَّوْمِ، وَقَالَ الْمُغِيرَةُ وَابْنُ كِنَانَةَ يُمْنَعُ الْفِطْرُ فَإِنْ أَفْطَرَ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَرَوَاهُ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُزَنِيَّة وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي تَلَبَّسَ فِيهَا بِالصَّوْمِ فَإِنَّ فِطْرَهُ مُوجِبٌ لِلْكَفَّارَةِ كَالْمُقِيمِ وَبِهَذَا فَارَقَ مَنْ تَلَبَّسَ بِالصَّوْمِ فِي الْحَضَرِ، ثُمَّ أَفْطَرَ فِي السَّفَرِ فَإِنَّ لِمَا طَرَأَ مِنْ السَّفَرِ تَأْثِيرًا فِي إبَاحَةِ الْفِطْرِ يُسْقِطُ عَنْهُ الْكَفَّارَةَ.

وَوَجْهُ قَوْلِ الْمُغِيرَةِ وَابْنِ كِنَانَةَ مَا احْتَجَّا بِهِ مِنْ أَنَّ صَوْمَهُ انْعَقَدَ فِي حَالَةٍ أُبِيحَ لَهُ تَرْكُهُ فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ كَمَا لَوْ أَفْطَرَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ.

(ش) : قَوْلُهُ «سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي رَمَضَانَ فَلَمْ يَعِبْ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ» يُرِيدُ أَنَّ كُلَّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ كَانَ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكَ بِقَدْرِ اخْتِيَارِهِ وَبِحَسَبِ قُوَّتِهِ وَيَرَى أَنَّ الصَّوْمَ وَالْفِطْرَ لَهُ جَائِزٌ وَلِذَلِكَ لَمْ يَعِبْ الصَّائِمُ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ لِاعْتِقَادِهِ جَوَازَ الْفِطْرِ وَلَمْ يَعِبْ الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ صَوْمَهُ لِاعْتِقَادِ جَوَازِ الصَّوْمِ.

(ش) : قَوْلُهُ «إنِّي رَجُلٌ أَصُومُ أَفَأَصُومُ فِي السَّفَرِ» سُؤَالٌ عَنْ إجْزَاءِ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ وَجَوَازِهِ لِمَنْ فَعَلَهُ فَأَجَابَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ فَقَالَ «إنْ شِئْت فَصُمْ، وَإِنْ شِئْت فَأَفْطِرْ» وَسُؤَالُ حَمْزَةَ بْنِ عَمْرٍو عَامٌّ فَإِذَا خَرَجَ الْجَوَابُ مُطْلَقًا حُمِلَ عَلَى عُمُومِهِ فَحُمِلَ عَلَى جَوَازِ الصَّوْمِ لِلْفَرْضِ وَالنَّفَلِ فِي السَّفَرِ وَلَا يَخُصُّ صَوْمًا دُونَ صَوْمٍ إلَّا بِدَلِيلٍ وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ إلَى أَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّطَوُّعِ وَهَذَا تَخْصِيصٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ بَاطِلًا.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ لَا يَصُومُ فِي السَّفَرِ) ش يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَمْتَنِعُ مِنْ الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ لِضَعْفِهِ عَنْهُ وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ فِي آخِرِ عُمْرِهِ وَوَقْتَ ضَعْفِهِ أَوْ فِي أَوْقَاتٍ مَخْصُوصَةٍ وَجَدَ فِيهَا الْعَجْزَ عَنْ الصِّيَامِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ يُفْطِرُ فِي السَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى ذَلِكَ أَفْضَلَ مِنْ الصَّوْمِ فِيهِ عَلَى مَا قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ يُفْطِرُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَرَى الصَّوْمَ فِيهِ مَمْنُوعًا أَوْ غَيْرَ مُجْزِئٍ عَلَى مَا تَأَوَّلَ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» ، وَإِنَّمَا حَمَلَ ذَلِكَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى سَفَرٍ مَخْصُوصٍ كَانَ الْفِطْرُ فِيهِ مَنْدُوبًا إلَيْهِ أَوْ وَاجِبًا لِمَا كَانَ يَخْتَصُّ بِهِ مِنْ التَّقَوِّي لِلِقَاءِ الْعَدُوِّ مَعَ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(ش) : قَوْلُهُ «إنَّهُ كَانَ يُسَافِرُ فِي رَمَضَانَ» تَبْيِينٌ لِمَوْضِعِ الْخِلَافِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ فَالْمُخَالِفُ يَقُولُ لَا يُجْزِئُ قَالَ هِشَامٌ فَكَانَ عُرْوَةُ يَصُومُ، وَذَلِكَ إنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ صَوْمَهُ يُجْزِيهِ وَكَانَ يُبَادِرُ إلَى إبْرَاءِ ذِمَّتِهِ مِنْ الصَّوْمِ وَأَدَائِهِ لِفَرْضِهِ مَعَ أَنَّهُ كَانَ يَجِدُ مِنْ نَفَسِهِ الْقُوَّةَ وَكَانَ لَا يُنْكِرُ عَلَى بَنِيهِ الْفِطْرَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَعْتَقِدُ جَوَازَ الصَّوْمِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>