للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ يَحْيَى وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي صِيَامِ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ إنِّي لَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ يَصُومُهَا وَلَمْ يَبْلُغْنِي ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ وَأَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ يَكْرَهُونَ ذَلِكَ وَيَخَافُونَ بِدْعَتَهُ وَأَنْ يُلْحِقَ بِرَمَضَانَ مَا لَيْسَ مِنْهُ أَهْلُ الْجَهَالَةِ وَالْجَفَاءِ لَوْ رَأَوْا فِي ذَلِكَ خِفَّتَهُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَرَأَوْهُمْ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ) .

(ص) : (وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ وَمَنْ يُقْتَدَى بِهِ نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَصِيَامُهُ حَسَنٌ، وَقَدْ رَأَيْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَصُومُهُ وَأَرَاهُ كَانَ يَتَحَرَّاهُ) .

ــ

[المنتقى]

يَصِلُ إلَى حَلْقِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ إنْ سَلِمَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَمَنْ جَهِلَ أَنْ يَمُجَّ مَا تَجَمَّعَ فِي فِيهِ مِنْ السِّوَاكِ الرَّطْبِ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَفِي هَذَا نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُغَيِّرُ الرِّيقَ وَمَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَفِي عَمْدِهِ الْكَفَّارَةُ وَفِي التَّأْوِيلِ وَالنِّسْيَانِ الْقَضَاءُ فَقَطْ وَلَوْ لَمْ يُغَيِّرْ طَعْمُهُ الرِّيقَ لَمَا مُنِعَ مِنْهُ كَمَا لَمْ يُمْنَعْ مِنْ الْيَابِسِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَسْتَاكُ بِالْيَابِسِ، وَإِنْ بُلَّ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ يُكْرَهُ الرَّطْبُ لِلْجَاهِلِ الَّذِي لَا يُحِسُّ إنْ لَمْ يَمُجَّ مَا تَجَمَّعَ مِنْهُ، وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْجَاهِلِ وَالْعَالِمِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّغْرِيرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ صَوْمَ هَذِهِ السِّتَّةِ الْأَيَّامِ بَعْدَ الْفِطْرِ لَمْ تَكُنْ مِنْ الْأَيَّامِ الَّتِي كَانَ السَّلَفُ يَتَعَمَّدُونَ صَوْمَهَا.

وَقَدْ كَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَقَدْ أَبَاحَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ النَّاسِ وَلَمْ يَرَوْا بِهِ بَأْسًا، وَإِنَّمَا كَرِهَ ذَلِكَ مَالِكٌ لِمَا خَافَ مِنْ إلْحَاقِ عَوَامِّ النَّاسِ ذَلِكَ بِرَمَضَانَ وَأَنْ لَا يُمَيِّزُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ حَتَّى يَعْتَقِدُوا جَمِيعَ ذَلِكَ فَرْضًا وَالْأَصْلُ فِي صِيَامِ هَذِهِ الْأَيَّامِ السِّتَّةِ مَا رَوَاهُ سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» وَسَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ هَذَا مِمَّنْ لَا يَحْتَمِلُ الِانْفِرَادَ بِمِثْلِ هَذَا فَلَمَّا وَرَدَ الْحَدِيثُ عَلَى مِثْلِ هَذَا وَوَجَدَ مَالِكٌ عُلَمَاءَ الْمَدِينَةِ مُنْكَرِينَ الْعَمَلَ بِهَذَا احْتَاطَ بِتَرْكِهِ لِئَلَّا يَكُونَ سَبَبًا لِمَا قَالَهُ قَالَ مُطَّرِفٌ إنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ صِيَامَهَا لِئَلَّا يُلْحِقَ أَهْلُ الْجَهْلِ ذَلِكَ بِرَمَضَانَ، وَأَمَّا مَنْ رَغِبَ فِي ذَلِكَ لِمَا جَاءَ فِيهِ فَلَمْ يَنْهَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ أَفْضَلُ صِيَامِ التَّطَوُّعِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ بَعْدَ الْفِطْرِ ذَلِكَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ.

(ش) : هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ صِيَامَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لَيْسَ بِمَمْنُوعٍ وَأَنَّهُ يَجُوزُ صَوْمُهُ لِمَنْ أَرَادَ صِيَامَهُ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ مُفْرَدًا وَمُتَّصِلًا بِغَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ يَكْرَهُ أَنْ يَتَحَرَّى هَذَا وَغَيْرَهُ بِغَيْرِ صِيَامٍ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ قُلْت لِعَائِشَةَ «هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَخْتَصُّ مِنْ الْأَيَّامِ شَيْئًا قَالَتْ لَا كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً» .

وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَجْعَلَ عَلَى نَفْسِهِ صِيَامَ يَوْمٍ يُؤَقِّتُهُ أَوْ شَهْرٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا رِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَنْعِ مِنْ قَصْدِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالصَّوْمِ وَمَنَعَ الشَّافِعِيُّ صِيَامَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِمَنْ لَمْ يَصِلْهُ بِصِيَامٍ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ وَجْهُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ أَنَّ هَذَا يَوْمٌ مِنْ الْأُسْبُوعِ فَجَازَ إفْرَادُهُ بِالصَّوْمِ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَيَّامِ، وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَتَعَلَّقَ فِي ذَلِكَ بِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَصُمْ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَّا أَنْ يَصُومَ قَبْلَهُ بِيَوْمٍ أَوْ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ» وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ وَالتَّعَلُّقُ وَاجِبٌ وَلَعَلَّهُ مَعْنَى رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ، وَقَدْ رَأَيْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَصُومُهُ وَأَرَاهُ كَانَ يَتَحَرَّاهُ عَلَى وَجْهِ الْإِخْبَارِ عَنْ ظَنِّهِ بِالرَّجُلِ لَا عَلَى مَعْنَى الِاخْتِيَارِ لِفِعْلِهِ وَتَحَرِّيهِ؛ لِأَنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْمَنْعِ لِقَصْدِ شَيْءٍ مِنْ الْأَيَّامِ بِصَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَلِذَلِكَ كَرِهَ صِيَامَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ لِمَنْ يَتَحَرَّى ذَلِكَ.

وَقَدْ رُوِيَ فِي صِيَامِهِمَا أَحَادِيثُ لَمْ أَرَ مِنْهَا شَيْئًا ثَابِتًا وَوَرَدَ أَيْضًا فِي صِيَامِ يَوْمِ السَّبْتِ وَيَوْمِ الْأَحَدِ حَدِيثٌ وَوَرَدَ فِي صِيَامِ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ حَدِيثٌ وَلَمْ أَرَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَا يُحْتَجُّ بِهِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا صِيَامُ ثَلَاثَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>