للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إلَى عَامِلِهِ عَلَى دِمَشْقَ فِي الصَّدَقَةِ إنَّمَا الصَّدَقَةُ فِي الْحَرْثِ وَالْعَيْنِ وَالْمَاشِيَةِ قَالَ يَحْيَى قَالَ مَالِكٌ وَلَا تَكُونُ الصَّدَقَةُ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ فِي الْحَرْثِ وَالْعَيْنِ وَالْمَاشِيَةِ) .

ــ

[المنتقى]

فَكَأَنَّهُ قَالَ خَمْسَةُ جِمَالٍ أَوْ خَمْسُ نُوقٍ وَلَمَّا «أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالزَّكَاةِ مِنْ الْإِبِلِ فَقَالَ فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ فَمَا دُونَهَا الْغَنَمُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ» اقْتَضَى ذَلِكَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي قَلِيلِ الْإِبِلِ وَكَثِيرِهَا فَبَيَّنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنْ لَا زَكَاةَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ فَخَصَّ بِذَلِكَ اللَّفْظَ الْعَامَّ وَبَقِيَ الْخَمْسَةُ فَمَا فَوْقَهَا مِنْ اللَّفْظِ الْعَامِّ تَعَلَّقُ بِهِ الزَّكَاةُ فَصَارَتْ الْخَمْسَةُ نِصَابَ الزَّكَاةِ فِي الْإِبِلِ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ» رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ لَيْسَ لِأُوقِيَّةِ الذَّهَبِ وَزْنٌ مَعْلُومٌ وَأُوقِيَّةُ الْفِضَّةِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا وَالنَّشُّ نِصْفُ أُوقِيَّةٍ وَهُوَ عِشْرُونَ دِرْهَمًا وَوَزْنُ النَّوَاةِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَهَذِهِ كُلُّهَا بِالدِّرْهَمِ الشَّرْعِيِّ وَوَزْنُ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ مِنْهَا سَبْعَةُ دَنَانِيرَ وَالْخَمْسُ الْأَوَاقِي مِائَتَا دِرْهَمٍ فَصَارَ الْمِائَتَا الدِّرْهَمِ نِصَابَ الْوَرِقِ فِي الزَّكَاةِ، وَذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ الزَّكَاةِ وَرَدَ فِيهَا عَامًّا لِمَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ فَقَالَ اُدْعُهُمْ إلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَك بِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لَك بِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» ، فَظَاهِرُ هَذَا يَقْتَضِي فَرْضَ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَالٍ بِحَقِّ عُمُومِ هَذَا الْخَبَرِ ثُمَّ خَصَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ بِقَوْلِهِ «وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ» فَثَبَتَ فَرْضُ الزَّكَاةِ فِي الْخَمْسِ الْأَوَاقِي فَمَا فَوْقَهَا فَكَانَ ذَلِكَ نِصَابَ الْوَرِقِ فِي الزَّكَاةِ، وَمَعْنَى النِّصَابِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْأَصْلُ وَاسْتُعْمِلَ فِي الشَّرْعِ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ فِي أَقَلِّ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَنِصَابُ الْوَرِقِ مِائَتَا دِرْهَمٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَإِنْ كَانَتْ بِوَزْنِ الْأَنْدَلُسِ وَذَلِكَ ثُلُثَا دِرْهَمٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِخَمْسِ أَوَاقٍ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ بَيَّنَ فِي أَنَّ الْحُبُوبَ لَهَا نِصَابُ زَكَاةٍ تَجِبُ فِيمَا بَعْدَهُ وَلَا تَجِبُ فِيمَا دُونَهُ كَالْوَرِقِ وَالْإِبِلِ وَذَلِكَ النِّصَابُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ وَالْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ وَالْمُدُّ رِطْلٌ وَثُلُثٌ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ ذَهَبَ إلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ نِصَابِ الْحُبُوبِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّ مَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُ الْعُشْرِ مِنْ الْحُبُوبِ أَوْ الثِّمَارِ فَإِنَّهُ يُخْرِجُ مِنْ قَلِيلِ ذَلِكَ وَكَثِيرِهِ الْعُشْرَ أَوْ نِصْفَ الْعُشْرِ، وَإِنْ كَانَ وَسْقًا وَاحِدًا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا يَقُولُهُ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ وَهُوَ نَصٌّ فِي مَسْأَلَةِ الْخِلَافِ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مَالٌ تَجِبُ مِنْ عَيْنِهِ الزَّكَاةُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ نِصَابُ الزَّكَاةِ كَالْعَيْنِ وَالْمَاشِيَةِ.

(ش) : قَوْلُهُ إنَّمَا الصَّدَقَةُ فِي الْعَيْنِ وَالْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ إخْبَارٌ بِمَنْعِ الصَّدَقَةِ فِيمَا عَدَا هَذِهِ الْأَصْنَافَ الثَّلَاثَةَ؛ لِأَنَّ " إنَّمَا " حَرْفٌ مَوْضُوعٌ لِلْحَصْرِ وَلِذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» ، وَإِنَّمَا أَرَادَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَفْيَ الْوَلَاءِ عَمَّنْ يُعْتِقُ وَالصَّدَقَةُ هَاهُنَا الزَّكَاةُ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَقَعَ اسْمُ الصَّدَقَةِ عَلَى التَّطَوُّعِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فِي الْحَرْثِ وَالْعَيْنِ وَالْمَاشِيَةِ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرِيدَ بِهِ نَفْيَ الصَّدَقَةِ عَمَّا عَدَا هَذِهِ الثَّلَاثَةَ الْأَصْنَافِ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْأَصْنَافِ مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إلَى بَيَانِهِ هَاهُنَا، وَإِنَّمَا قَصَدَ إلَى بَيَانِ مَا لَا زَكَاةَ فِيهِ مِنْ غَيْرِهَا.

وَالثَّانِي: أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنَّ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْمَحْرُوثِ وَالْمَاشِيَةِ وَالْعَيْنِ وَأَوْقَعَ عَلَى مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ كُلِّ جِنْسٍ مِنْهَا فِيمَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَأَطْلَقَ الِاسْمَ الْعَامَّ.

وَالْمُرَادُ مُعْظَمُ مَا يَتَنَاوَلُهُ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>