للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

فَهَذِهِ ثَمَانِيَةُ أَصْنَافٍ يَجُوزُ وَضْعُ الصَّدَقَاتِ فِيهَا وَلَا يَجُوزُ وَضْعُهَا فِي غَيْرِهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} [التوبة: ٦٠] فَأَتَى بِلَفْظِ الْحَصْرِ وَهَذَا يَقْتَضِي نَفْيَ إعْطَاءِ الصَّدَقَاتِ لِغَيْرِهِمْ فَأَمَّا الْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِمَا فَقَالَ مَالِكٌ إنَّ الْفَقِيرَ الَّذِي لَهُ الْبُلْغَةُ مِنْ الْعَيْشِ لَا تَقُومُ بِهِ وَالْمِسْكِينُ الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ فَالْمِسْكِينُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْفَقِيرِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ: الْفَقِيرُ الْمُتَعَفِّفُ عَنْ السُّؤَالِ مَعَ حَاجَتِهِ وَالْمِسْكِينُ الَّذِي يَسْأَلُ عَلَى الْأَبْوَابِ وَالطُّرُقِ وَهُوَ السَّائِلُ وَهَذَا يَقْرُبُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّ الْفَقِيرَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْمِسْكِينِ وَبِقَوْلِنَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَأَنْشَدَ فِي ذَلِكَ ابْنُ قُتَيْبَةَ

أَمَّا الْفَقِيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُهُ ... وَفْقَ الْعِيَالِ فَلَمْ يُتْرَكْ لَهُ سَبَدُ

فَجَعَلَ لِلْفَقِيرِ بُلْغَةً مِنْ الْعَيْشِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْمِسْكِينَ مَأْخُوذٌ مِنْ السُّكُونِ وَالْفَقِيرَ مَأْخُوذٌ مِنْ كَسْرِ الْفَقَارِ، وَاَلَّذِي سَكَنَ فَلَا يَتَحَرَّكُ أَشَدُّ ضَعْفًا مِنْ الْمَكْسُورِ الْفَقَارِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُتَحَرِّكٌ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَخْفَشُ الْفَقِيرُ مُشْتَقٌّ مِنْ قَوْلِهِمْ فَقُرْت لَهُ فُقْرَةً مِنْ مَالٍ أَيْ أَعْطَيْته فَالْفَقِيرُ عَلَى هَذَا الَّذِي لَهُ قِطْعَةٌ مِنْ مَالٍ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ صِفَةَ الْفَقِيرِ الَّذِي يَأْخُذُ الصَّدَقَةَ حَكَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ يُعْطَاهَا مَنْ لَهُ أَرْبَعُونَ دِينَارًا وَرَأْسٌ وَرَأْسَانِ إذَا كَانَ كَثِيرَ الْعِيَالِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمُرَاعَى فِي ذَلِكَ قَدْرُ حَاجَتِهِ فِي نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ دُونَ النِّصَابِ وَرَوَى الْمُغِيرَةُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ إذَا كَانَ يَفْضُلُ لَهُ مِنْ ثَمَنِ دَارِهِ عِشْرُونَ دِينَارًا لَمْ يُعْطَ مِنْ الزَّكَاةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى مُرَاعَاةِ النِّصَابِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.

وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْغِنَى يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَنْ أُضِيفَ إلَيْهِ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَكُونُ لَهُ الْمَالُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ وَالسُّؤَالِ فَلَا يَكْفِيه مَا يَكْفِي مَنْ يَقْدِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ وَالِابْتِدَالِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ لَهُ الْعِيَالُ الْكَثِيرُ وَالْوَلَدُ مِمَّنْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالِاقْتِيَاتِ دُونَهُ فَلَا يَكْفِيهِ مَا يَكْفِي الْمُفْرَدَ وَذَا الْعِيَالِ الْيَسِيرُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ غِنَى الْمُفْرَدِ الْمُتَمَكِّنِ مِنْ التَّصَرُّفِ غَيْرَ غِنَى الْمُعِيلِ الَّذِي كَانَ لَا يُمْكِنُهُ التَّصَرُّفُ وَهَذَا كَمَا يَقُولُ فِي الِاسْتِطَاعَةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْحَجِّ.

وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «وَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» فَأَخْبَرَ أَنَّ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْهُمْ غَيْرُ الَّذِي يُدْفَعُ إلَيْهِمْ وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ مَنْ كَانَ لَهُ عِشْرُونَ دِينَارًا وَلَهُ عِيَالٌ تُؤْخَذُ مِنْهُ الزَّكَاةُ فَيَجِبُ أَنْ لَا تُدْفَعَ إلَيْهِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا غِنًى يُؤَثِّرُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فَوَجَبَ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي الْمَنْعِ مِنْ أَخْذِهَا كَالنِّصَابِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَيْسَ مِنْ صِفَاتِهِ الضَّعْفُ عَنْ التَّكَسُّبِ وَالْعَمَلِ رَوَاهُ الْمُغِيرَةُ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُعْطَى الْقَوِيُّ عَلَى الْكَسْبِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: ٦٠] الْآيَةُ وَهَذَا عَامٌّ فَنَحْمِلُهُ عَلَى عُمُومِهِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «وَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» .

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمِنْ صِفَاتِ الْفَقِيرِ الْمُسْتَحِقِّ لِلزَّكَاةِ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ تَحِلُّ لَهُمْ الصَّدَقَاتُ الْوَاجِبَةُ وَلَا يَحِلُّ لَهُمْ التَّطَوُّعُ؛ لِأَنَّ الْمِنَّةَ قَدْ تَقَعُ فِيهَا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَحِلُّ لَهُمْ التَّطَوُّعُ دُونَ الْفَرْضِ وَكَانَ شَيْخُنَا - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُرِيدُ أَبَا بَكْرٍ الْأَبْهَرَيَّ يَقُولُ قَدْ حَلَّتْ لَهُمْ الصَّدَقَاتُ كُلُّهَا فَرْضُهَا وَنَفْلُهَا.

وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ «قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْحَسَنِ وَقَدْ جَعَلَ تَمْرَةً مِنْ الصَّدَقَةِ فِي فِيهِ أَمَا عَلِمْت أَنَّ آلَ مُحَمَّدٍ لَا يَأْكُلُونَ الصَّدَقَةَ» .

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِرِوَايَةِ الْمَنْعِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّأِ

<<  <  ج: ص:  >  >>