للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ إنَّ أَحْسَنَ مَا سَمِعْت فِيمَا يَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ مِنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ أَنَّ الرَّجُلَ يُؤَدِّي ذَلِكَ عَنْ كُلِّ مَنْ يَضْمَنُ نَفَقَتَهُ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ، وَالرَّجُلُ يُؤَدِّي عَنْ مُكَاتَبِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَرَقِيقِهِ كُلِّهِمْ غَائِبِهِمْ وَشَاهِدِهِمْ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُسْلِمًا وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ لِتِجَارَةٍ أَوْ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ مُسْلِمًا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ)

ــ

[المنتقى]

نِصْفُ الْعَبْدِ حُرًّا فَعَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ أَنَّ عَلَى مَالِكِ النِّصْفِ نِصْفَ الْفِطْرَةِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَبْدِ فِي الْبَاقِي وَرَوَى عَنْهُ أَنَّ عَلَى الْعَبْدِ مِنْ الْفِطْرَةِ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَرَوَى عَنْهُ مُطَّرِفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ أَنَّ عَلَى مَنْ فِيهِ بَقِيَّةُ الرِّقِّ جَمِيعَ الْفِطْرَةِ.

وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ الْفِطْرَةَ زَكَاةٌ وَالزَّكَاةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَى مَنْ فِيهِ بَقِيَّةُ رِقٍّ فَعَلَى مَنْ مَلَكَ مِنْهُ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ وَتَسْقُطُ عَنْ حِصَّةِ الْحُرِّ زَكَاةُ الْفِطْرِ لِمَا ذَكَرَهُ.

وَوَجْهُ مَا قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَنَّ الْفِطْرَةَ تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ فَلَمَّا قُسِّطَتْ النَّفَقَةُ عَلَى الْجِزْيَةِ وَالْمِلْكِ فَكَذَلِكَ الْفِطْرَةُ.

وَوَجْهُ رِوَايَةِ مُطَّرِفٍ أَنَّهُ مَحْبُوسٌ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ فِيهِ مِلْكٌ بِأَحْكَامِ الرِّقِّ كُلِّهَا وَهَذَا مِنْ جُمْلَتِهَا فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ جَمِيعُ الصَّاعِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ عَنْ غِلْمَانِهِ الَّذِينَ كَانُوا بِوَادِي الْقُرَى وَبِخَيْبَرِ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يُخْرِجُ عَنْهُمْ زَكَاةَ الْفِطْرِ وَإِنْ كَانُوا غُيَّبًا عَنْ مَوْضِعِ اسْتِيطَانِهِمْ بِالْمَدِينَةِ وَأَنَّ مَغِيبَهُمْ عَنْهُ لَا يُسْقِطُ عَنْهُ فِيهِمْ زَكَاةَ الْفِطْرِ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ إنَّ أَحْسَنَ مَا سَمِعَ فِي وُجُوبِ زَكَاةِ الْفِطْرِ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي قَامَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنْ تَجِبَ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ وَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ نَفَقَةٌ ثَابِتَةٌ بِالشَّرْعِ وَنَفَقَةٌ ثَابِتَةٌ بِالْعَقْدِ.

فَأَمَّا النَّفَقَةُ الثَّابِتَةُ بِالشَّرْعِ فَمَنْ لَزِمَتْهُ نَفَقَتُهُ لَزِمَتْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْهُ وَنَحْنُ نُبَيِّنُ حُكْمَ النَّفَقَةِ لِيَتَبَيَّنَ حُكْمُ الزَّكَاةِ فِيهَا فَتَجِبُ عَلَى الرَّجُلِ نَفَقَةُ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ الْمُعْسِرِ وَنَفَقَةُ أَبَوَيْهِ الْمُعْسِرَيْنِ وَعَلَى الزَّوْجِ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ وَعَلَى السَّيِّدِ نَفَقَةُ رَقِيقِهِ فَأَمَّا الْأَوْلَادُ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونُوا صِغَارًا أَوْ كِبَارًا فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ، وَكَذَلِكَ فِطْرَتُهُ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ نَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ وَفِطْرَتُهُ فِي مَالِ أَبِيهِ وَدَلِيلُنَا أَنَّ كُلَّ مَنْ لَا يَلْزَمُ الْأَبَ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ الْفِطْرَةُ عَنْهُ كَالْكَبِيرِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَالنَّفَقَةُ فِي مَالِ أَبِيهِ وَكَذَلِكَ الْفِطْرَةُ وَإِنْ كَانَ بَالِغًا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِهِ وَكَذَلِكَ فِطْرَتُهُ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا أَوْ زَمِنًا فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ فِطْرَتُهُ وَإِنْ كَانَ زَمِنًا فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ الزَّمَانَةُ طَرَأَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ أَوْ قَبْلَ الْبُلُوغِ، فَإِنْ كَانَتْ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِ، وَكَذَالِكَ الْفِطْرَةُ وَإِنْ كَانَ بَلَغَ زَمِنًا فَنَفَقَتُهُ عَلَى أَبِيهِ، وَكَذَالِكَ فِطْرَتُهُ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ بِالْبُلُوغِ؛ لِأَنَّ الزَّمَانَةَ تَمْنَعُ الِاكْتِسَابَ كَالصِّغَرِ وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجِبُ عَلَى الْأَبِ نَفَقَةُ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةٌ عَنْ وَلَدِهِ الْبَالِغِ زَمِنًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا حَقٌّ يَجِبُ فِيهِ عَنْ الصَّغِيرِ مِنْ وَلَدِهِ فَجَازَ أَنْ يَحْمِلَهُ عَنْ الْكَبِيرِ مِنْهُمْ كَالنَّفَقَةِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا نَفَقَةُ الْوَالِدَيْنِ الْمُعْسِرَيْنِ فَإِنَّهَا تَلْزَمُ الْوَلَدَ وَإِنْ كَانَا قَوِيَّيْنِ عَلَى الْعَمَلِ وَهَذَا إذَا كَانَا زَوْجَيْنِ فَإِنْ كَانَ لِلْأَبِ زَوْجٌ غَيْرُ الْأُمِّ فَقَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَرَوَوْهُ عَنْ مَالِكٍ: إنَّ عَلَى الِابْنِ الْغَنِيِّ النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِ وَعَلَى زَوْجِهِ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ أُمِّهِ.

وَقَالَ الْمَخْزُومِيُّ لَا يُنْفِقُ عَلَى زَوْجَةِ أَبِيهِ إلَّا أَنْ تَكُونَ أُمَّهُ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُنْفِقُ مِنْ نِسَاءِ أَبِيهِ إلَّا عَلَى امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ وَمِنْ خَدَمِهَا إلَّا عَلَى خَادِمٍ وَاحِدَةٍ وَأَمَّا الْأُمُّ فَإِنْ تَزَوَّجَهَا غَيْرُ أَبِيهِ فَنَفَقَتُهَا عَلَى الزَّوْجِ فَإِنْ أَبَى الزَّوْجُ أَنْ يُمْسِكَهَا إلَّا بِغَيْرِ نَفَقَةٍ وَرَضِيَتْ الْأُمُّ بِذَلِكَ لَزِمَ الِابْنُ الْإِنْفَاقَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ إذَا طَلَّقَهَا لَزِمَتْهُ النَّفَقَةُ فَلَا فَائِدَةَ لَهُ بِذَلِكَ إلَّا الْإِضْرَارُ بِهَا وَالْعَضْلُ لَهَا وَزَكَاةُ الْفِطْرِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ تَابِعَةٌ لِلنَّفَقَةِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَيْسَ عَلَى الِابْنِ أَنْ يُخْرِجَ زَكَاةَ الْفِطْرِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>