للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

عَنْهُ وَقَوْلُ أَصْبَغَ عِنْدِي مَبْنِيٌّ عَلَى مَا ذُكِرَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ أَنَّ يَسِيرَ الطَّاهِرِ يَسْلُبُ الْمَاءَ حُكْمَ التَّطْهِيرِ وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْهُ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ عَلَى جَسَدِ الْإِنْسَانِ أَثَرٌ يَسِيرٌ مِنْ عِرْقٍ أَوْ غُبَارٍ أَوْ غَيْرِهِ فَخَالَطَ الْمَاءَ فَيُسْلَبُ حُكْمَ التَّطْهِيرِ وَإِنْ لَمْ يُغَيِّرْهُ.

(فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا بِقَوْلِ أَصْبَغَ فَإِنَّ هَذَا الْمَاءَ طَاهِرٌ غَيْرُ مُطَهِّرٍ وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ نَجِسٌ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا مَاءٌ طَاهِرٌ لَاقَى أَعْضَاءً طَاهِرَةً فَلَمْ يَنْجُسْ بِذَلِكَ كَمَا لَوْ تَوَضَّأَ بِهِ تَبَرُّدًا.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنْ كَانَ الْمُخَالِطُ لِمَاءٍ وَلَمْ يُغَيِّرْهُ نَجِسًا فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا فَهُوَ طَاهِرٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ قَلِيلًا فَاَلَّذِي رَوَاهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ يُطْلِقُ عَلَيْهِ اسْمَ النَّجَاسَةِ فِي رِوَايَتِهِ وَقَوْلِهِ وَيَرَى عَلَى مَنْ تَوَضَّأَ بِهِ الْإِعَادَةَ فِي الْوَقْتِ دُونَ غَيْرِهِ وَهُوَ يَعُودُ إلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ الَّذِي حَكَاهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَنْهُ وَأَمَّا الْخِلَافُ فَفِي الْعِبَارَةِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ كُلَّمَا وَرَدَتْ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ فَإِنَّهُ نَجِسٌ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَمْ يَنْجُسْ مِنْهُ غَيْرُ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا نَجِسَ جَمِيعُهُ وَالْكَثِيرُ عِنْدَهُ الْغَدِيرُ الَّذِي لَا يَتَحَرَّكُ أَحَدُ طَرَفَيْهِ بِتَحَرُّكِ الْآخَرِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ فَهُوَ طَاهِرٌ مُطَهِّرٌ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ قُلَّتَيْنِ فَهُوَ نَجِسٌ وَالْقُلَّةُ عِنْدَهُ خَمْسُمِائَةِ رِطْلٍ وَدَلِيلُنَا مَا رَوَى الْمِقْدَامُ بْنُ شُرَيْحٍ بْنِ هَانِئٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» وَدَلِيلُنَا مَا رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ أَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ «قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ وَهِيَ تُطْرَحُ فِيهَا الْحِيَضُ وَلُحُومُ الْكِلَابِ وَالنَّتْنُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَاءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مَاءٌ لَمْ يَتَغَيَّرْ بِمُخَالَطَةِ مَا لَيْسَ بِقَرَارِهِ وَيَنْفَكُّ الْمَاءُ عَنْهُ غَالِبًا فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا مُطَهِّرًا كَمَا لَوْ زَادَ عَلَى الْقُلَّتَيْنِ.

(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ لِخَوْفِ الْخِلَافِ فِيهِ وَهَذَا الْمَاءُ يُسَمِّيهِ ابْنُ الْقَاسِمِ نَجِسًا وَيَحْكُمُ لَهُ بِحُكْمِ الْمَاءِ الْمَكْرُوهِ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ بِهِ بِحُكْمِ الْمَاءِ النَّجِسِ فِي غَسْلِ الثَّوْبِ وَالْجِسْمِ مِنْهُ وَتَبِعَهُ عَلَى هَذَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي نَوَادِرِهِ أَعْرِفُ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا فِيمَنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ نَجِسٍ ثُمَّ اغْتَسَلَ فِي الْبَحْرِ تَبَرُّدًا أَنَّهُ يُجْزِيهِ مِنْ طَهَارَةِ أَعْضَائِهِ يَعْنِي مِنْ الْمَاءِ النَّجِسِ وَيَصِحُّ وُضُوءُهُ بِالْمَاءِ النَّجِسِ قَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَجِسًا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ كَاَلَّذِي تَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ فَلَا يُجْزِيهِ حَتَّى يُعِيدَ الْوُضُوءَ بِنِيَّتِهِ.

وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ هُوَ مَاءٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ فِي سُؤْرِ الْكَلْبِ وَأَمَّا سُؤْرُ النَّصْرَانِيِّ وَفَضْلُ وُضُوئِهِ فَهُوَ مِنْ هَذَا الْبَابِ.

وَفِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يَتَوَضَّأُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَذَلِكَ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ وَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ يَتَوَضَّأُ بِسُؤْرِهِ وَلَا يَتَوَضَّأُ بِفَضْلِ وُضُوئِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِ النَّجَاسَةُ لِأَنَّهُ لَا يَتَدَيَّنُ بِالتَّوَقِّي مِنْهَا لِأَنَّهُ يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَالْخِنْزِيرَ وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا يَأْكُلُ النَّجَاسَةَ مِنْ الدَّجَاجِ الْمُخْلَاةِ وَغَيْرِهَا الَّتِي يُمْنَعُ مِنْ الْوُضُوءِ بِسُؤْرِهَا.

وَفِي الْعُتْبِيَّةِ عَنْ سَحْنُونٍ إذَا أَمِنَتْ أَنْ يَأْكُلَ مَيْتَةً أَوْ يَشْرَبَ خَمْرًا فَلَا بَأْسَ بِسُؤْرِهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَأَمَّا الْبِئْرُ تَقَعُ فِيهَا فَأْرَةٌ أَوْ دَجَاجَةُ أَوْ هِرَّةٌ فَفِي الْعُتْبِيَّةِ مِنْ رِوَايَةِ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْبِئْرِ تَقَعُ فِيهَا الْهِرَّةُ فَتَمُوتُ فَيُنْزَحُ مِنْهَا قَدْرُ مَا يُطَيِّبُهَا وَأَشَارَ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ فِي بِئْرٍ وَقَعَتْ فِيهَا فَأْرَةٌ فَتَمَعَّطَتْ.

وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ فِي الْمَجْمُوعَةِ عَنْ مَالِكٍ إنْ سَالَ فِي الْبِئْرِ مِنْ فَرْثِهَا أَوْ دَمِهَا شَيْءٌ نُزِحَتْ إلَى أَنْ يَغْلِبَ الْمَاءُ وَإِنْ لَمْ تَتَفَسَّخْ نُزِحَ مِنْهَا شَيْءٌ وَفَرَّقَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ بَيْنَ أَنْ تَقَعَ فِيهَا مَيِّتَةً وَبَيْنَ أَنْ تَقَعَ فِيهَا حَيَّةً فَتَمُوتَ فِيهَا فَقَالَ إنْ وَقَعَتْ مَيِّتَةً لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ الْمَاءَ وَإِنْ تَغَيَّرَتْ رَائِحَتُهُ حَتَّى يَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ وَلَمْ يُؤْمَرْ أَهْلُ الْبِئْرِ أَنْ يُنَحُّوا مِنْهَا شَيْئًا وَإِنْ مَاتَتْ فِيهَا نُزِحَ مِنْهَا قَدْرُ مَا يُطَيِّبُهَا وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ حَكَى ذَلِكَ عَنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>