للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ حُمَيْدَةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ فَرْوَةَ عَنْ خَالَتِهَا كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانَتْ تَحْتَ ابْنِ أَبِي قَتَادَةَ «أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَسَكَبَتْ لَهُ وَضُوءًا فَجَاءَتْ هِرَّةٌ لِتَشْرَبَ مِنْهُ فَأَصْغَى لَهَا الْإِنَاءَ حَتَّى شَرِبَتْ قَالَتْ كَبْشَةُ فَرَآنِي أَنْظُرُ إلَيْهِ فَقَالَ أَتَعْجَبِينَ يَا ابْنَةَ أَخِي قَالَتْ فَقُلْت نَعَمْ فَقَالَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ إنَّمَا هِيَ مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ أَوْ الطَّوَّافَاتِ» )

ــ

[المنتقى]

وَشَحْمَةِ الْأَرْضِ وَزَادَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَالْبَرَاغِيثِ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْبَرَاغِيثِ يَحْتَاجُ إلَى تَحْقِيقٍ لِأَنَّ مِنْ هَذَا الْخَشَاشِ مَا يَكُونُ فِيهِ دَمٌ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ لَهُ دَمٌ مِنْ ذَاتِهِ كَالْبَرَاغِيثِ وَالْبَعُوضِ.

وَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ فِي بُرْغُوثٍ وَقَعَ فِي ثَرِيدٍ لَا بَأْسَ أَنْ يُؤْكَلَ وَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ مَا لَيْسَ لَهُ لَحْمٌ وَلَا دَمٌ سَائِلٌ كَالْخُنْفُسَاءِ وَالنَّمْلِ وَالدُّودِ وَالْبَعُوضِ وَالذُّبَابِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مَنْ احْتَاجَ شَيْئًا مِنْهَا لِلدَّوَاءِ وَغَيْرِهِ فَلْيُذَكِّهِ بِمَا يُذَكِّي الْجَرَادَ فَجَعَلَ الْبَعُوضَ مِنْ صِنْفِ مَا لَيْسَ لَهُ دَمٌ وَفِيهِ دَمٌ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ فَعَلَى هَذَا إنَّمَا يُرَاعَى فِي الدَّمِ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَفْسِ الْحَيَوَانِ فَيَكُونَ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ دَمٌ قَوْلٌ وَاحِدٌ أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ وَمَا لَهُ دَمٌ قَوْلٌ وَاحِدٌ أَنَّهُ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ وَفِيمَا فِيهِ دَمٌ وَلَيْسَ لَهُ دَمٌ الْقَوْلَانِ يَنْجُسُ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ وَلَا يَنْجُسُ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ وَمَالِكٍ وَيَحْتَمِلُ ذَلِكَ وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْبُرْغُوثُ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ إذَا كَانَ فِيهِ الدَّمُ وَلَا يَنْجُسُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَمٌ وَذِكْرُ اللَّحْمِ فِيمَا يُعْتَبَرُ بِهِ مَعَ الدَّمِ والحلزوم لَحْمٌ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْجَرَادِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا فَأْرَةُ الْمِسْكِ فَقَدْ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ هِيَ مَيْتَةٌ وَيُصَلِّي بِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهَا كَخُرَّاجٍ يَحْدُثُ بِالْحَيَوَانِ يَجْتَمِعُ فِيهِ مِدَادٌ ثُمَّ يَسْتَحِيلُ مِسْكًا وَمَعْنَى كَوْنِهَا مَيْتَةً أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ حَالَ الْحَيَاةِ أَوْ بِذَكَاةِ مَنْ لَا تَصِحُّ تَذْكِيَتُهُ مِنْ أَهْلِ الْهِنْدِ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَإِنَّمَا حُكِمَ لَهَا بِالطَّهَارَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِأَنَّهَا قَدْ اسْتَحَالَتْ عَنْ جَمِيعِ صِفَاتِ الدَّمِ وَخَرَجَتْ عَنْ اسْمِهِ إلَى صِفَاتٍ وَاسْمٍ يَخْتَصُّ بِهَا فَطَهُرَتْ بِذَلِكَ كَمَا يَسْتَحِيلُ الدَّمُ وَسَائِرُ مَا يَتَغَذَّى بِهِ الْحَيَوَانُ مِنْ النَّجَاسَاتِ إلَى اللَّحْمِ فَيَكُونُ طَاهِرًا وَيَسْتَحِيلُ الْخَمْرُ إلَى الْخَلِّ فَيَكُونُ طَاهِرًا وَكَمَا يَسْتَحِيلُ مَا يُدْمَنُ بِهِ مِنْ الْعَذَرَةِ وَالنَّجَاسَةِ تَمْرًا أَوْ بَقْلًا فَيَكُونُ طَاهِرًا.

وَإِنَّمَا لَمْ تَنْجُسْ فَأْرَةُ الْمِسْكِ بِالْمَوْتِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَيَوَانٍ وَلَا جُزْءٍ مِنْهُ فَتَنْجُسُ بِعَدَمِ الذَّكَاةِ وَإِنَّمَا هِيَ شَيْءٌ يَحْدُثُ فِي الْحَيَوَانِ كَمَا يَحْدُثُ الْبَيْضُ فِي الطَّيْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى طَهَارَتِهِ وَهُوَ أَقْوَى فِي إثْبَاتِ طَهَارَتِهِ مِنْ كُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِمَّا ذَكَرْنَا وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِمَعْنًى تَبَيَّنَ بِهِ وَجْهُ حُكْمِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ وَالنَّوْعُ الثَّانِي مَا لَيْسَتْ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ كَبَنَاتِ وَرْدَانِ وَالصِّرَارِ وَالْخُنْفُسَاءِ وَالذُّبَابِ وَالْحَشَرَاتِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ كُلَّهُ ثُمَّ لْيَطْرَحْهُ فَإِنَّ فِي أَحَدِ جَنَاحَيْهِ دَاءً وَفِي الْآخَرِ دَوَاءً» وَأَنَّهُ يُؤَخِّرُ الدَّوَاءَ وَيُقَدِّمُ الدَّاءَ فَلَوْ كَانَ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ وَيَنْجُسُ مَا مَاتَ فِيهِ لَمَا أُمِرْنَا أَنْ نُفْسِدَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ بِغَمْسِهِ فِيهِ فَإِنَّهُ بِذَلِكَ يَمُوتُ فِي الْغَالِبِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا لَيْسَتْ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ فَلَمْ يَنْجُسْ بِالْمَوْتِ كَالْجَرَادِ.

(ش) : قَوْلُهُ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ دَخَلَ عَلَيْهَا يُرِيدُ دَخَلَ عَلَيْهَا مَنْزِلَهَا وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى يُسْتَعْمَلُ هَذَا اللَّفْظُ وَقَوْلُهُ فَكَسَبَتْ وَضُوءًا عَلَى مَعْنَى إكْرَامِ الْحَمْ وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ ذَا مَحْرَمٍ مِنْهَا.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَجَاءَتْ هِرَّةٌ لِتَشْرَبَ مَنِّهِ فَأَصْغَى لَهَا الْإِنَاءَ يُرِيدُ أَنَّهُ أَمَالَهُ لَهَا يُمَكِّنُهَا مِنْ الشُّرْبِ ابْتِغَاءَ الْأَجْرِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهَا مِنْ ذِي الْكَبِدِ الرَّطْبَةِ قَالَتْ كَبْشَةُ فَرَآنِي أَنْظُرُ إلَيْهِ وَإِنَّمَا كَانَ نَظَرُهَا إلَيْهِ تَعَجُّبًا مِنْ أَنْ مَكَّنَهَا مِنْ أَنْ تَشْرَبَ مِنْ وَضُوئِهِ وَقَدْ شُرِعَتْ فِيهِ الطَّهَارَةُ مَعَ مَا عُلِمَ أَنَّ الْهِرَّةَ تَتَنَاوَلُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>