للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

وَالْحُرُمُ جَمَاعَةُ حَرَامٍ يُقَالُ: أَحْرَمَ الرَّجُلُ فَهُوَ مُحْرِمٌ وَحَرَامٌ إذَا أَتَى الْحَرَمَ وَإِذَا أَحْرَمَ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ يُبَيِّنُ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ

قَتَلُوا ابْنَ عَفَّانَ الْخَلِيفَةَ مُحْرِمًا ... فَدَعَا فَلَمْ أَرَ مِثْلَهُ مَخْذُولًا

يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ فِي حُرُمِ الْمَدِينَةِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا بِحَجٍّ وَلَا عُمْرَةٍ وَلَا ادَّعَى ذَلِكَ لَهُ أَحَدٌ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ يَقَعُ عَلَى مَنْ دَخَلَ الْحَرَمَ وَعَلَى مَنْ أَحْرَمَ بِنُسُكٍ وَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِمَا، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ الدُّخُولَ فِي الْحُرُمِ حَرَامٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ النُّسُكُ وَيُمْنَعُ التَّصَيُّدُ فَأَوْجَبَ أَنْ يُجْزَى بِقَتْلِ الصَّيْدِ كَالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ.

(مَسْأَلَةٌ) وَأَمَّا إنْ صَادَ الْحَلَالُ فِي الْحِلِّ فَإِنَّ لَهُ ذَبْحَهُ فِي الْحَرَمِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَحَكَاهُ مَالِكٌ عَنْ عَطَاءٍ وَذَكَرَ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا احْتَجَّ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ مِنْ أَنَّ الْحَرَمَ مَوْضِعُ اسْتِيطَانٍ وَإِقَامَةٍ فَلَوْ لَمْ يَجُزْ فِيهِ ذَبْحُ الصَّيْدِ لَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَهْلِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَرَمِ مُتَأَبِّدَةٌ وَحُرْمَةَ الْإِحْرَامِ غَيْرُ مُتَأَبِّدَةٍ وَهَذَا الدَّلِيلُ فِيهِ نَظَرٌ، وَتَرْكُ ذَبْحِ مَا صِيدَ فِيهِ عِنْدِي أَحْوَطُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَيَحْرُمُ الِاصْطِيَادُ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَرَأَيْت لِلْقَاضِي أَبِي الْحَسَنِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْهَبُ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا حَرَامٌ» وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْ الْمَدِينَةِ أَنْ يُقْطَعَ عِضَاهُهَا وَيُنَفَّرَ صَيْدُهَا» .

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِتَحْرِيمِ الِاصْطِيَادِ فِيهِ فَهَلْ يَجِبُ الْجَزَاءُ، الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّ مُقْتَضَى قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي وَهْبٍ وَقَوْلُ مَالِكٍ الْأَوَّلُ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْمَدِينَةَ لَا تَتَعَلَّقُ الْكَفَّارَةُ وَالْفِدْيَةُ بِالْأَعْمَالِ الْمُخْتَصَّةِ بِهَا فَلِذَلِكَ تَعَلَّقَتْ الْكَفَّارَةُ بِقَتْلِ صَيْدِهَا.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَأُرْسِلَ عَلَيْهِ كَلْبٌ فِي الْحَرَمِ فَقَتَلَ ذَلِكَ الصَّيْدَ فِي الْحِلِّ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَعَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ جَزَاءُ ذَلِكَ الصَّيْدِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الصَّائِدُ فِي الْحِلِّ، وَالصَّيْدُ فِي الْحَرَمِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الصَّائِدُ فِي الْحَرَمِ وَالصَّيْدُ فِي الْحِلِّ.

فَأَمَّا إنْ كَانَا فِي الْحَرَمِ فَأَخَذَهُ الْخَارِجُ فِي الْحَرَمِ أَوْ الْحِلِّ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ قَدْ كَانَ مُتَحَرِّمًا بِحُرْمَةِ الْبَيْتِ فَإِذَا صَادَهُ أَوْ أَخْرَجَهُ مِنْهُ فَأَخَذَهُ فِي الْحِلِّ فَقَدْ انْتَهَكَ حُرْمَةَ الْحَرَمِ وَأَخَذَ صَيْدًا مُتَحَرِّمًا بِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ وَلَوْ كَانَ الصَّائِدُ فِي الْحِلِّ، وَالصَّيْدُ فِي الْحَرَمِ لَكَانَ هَذَا حُكْمُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِيهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ كَانَ الصَّيْدُ فِي الْحِلِّ وَالصَّائِدُ فِي الْحَرَمِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَجُوزُ الِاصْطِيَادُ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَهُ ذَلِكَ.

وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَوْله تَعَالَى {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ٩٥] وَلَمْ يُغَيِّرْ حَالَ الصَّيْدِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ حُرْمَةٌ تَمْنَعُ الِاصْطِيَادَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الِاعْتِبَارُ فِيهَا بِحَالِ الصَّائِدِ دُونَ حَالِ الصَّيْدِ كَحُرْمَةِ الْإِحْرَامِ.

وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّ الْحَرَمَ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي الصَّائِدِ وَإِنَّمَا تَأْثِيرُهُ وَحُرْمَتُهُ لِلصَّيْدِ فَإِذَا لَمْ يَتَحَرَّمْ بِحُرْمَةِ الْحَرَمِ جَازَ اصْطِيَادُهُ وَأَمَّا الصَّائِدُ فَلَمْ يَتَلَبَّسْ بِعِبَادَةٍ تُحَرِّمُ عَلَيْهِ صَيْدًا وَلَا غَيْرَهُ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَأَمَّا الَّذِي يُرْسِلُ كَلْبَهُ عَلَى الصَّيْدِ فِي الْحِلِّ فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يَصِيدَهُ فِي الْحَرَمِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ وَهَذَا عَلَى قِسْمَيْنِ إذَا كَانَ الصَّيْدُ وَالصَّائِدُ فِي الْحِلِّ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَا بِقُرْبِ الْحَرَمِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَا عَلَى بُعْدٍ مِنْهُ.

فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا مِنْ الْحَرَمِ فَأَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى الصَّيْدِ فَأَدْخَلَهُ الْكَلْبُ فِي الْحُرُمِ وَقَتَلَهُ فِيهِ أَوْ قَتَلَهُ فِي الْحِلِّ بَعْدَ إدْخَالِهِ الْحَرَمَ وَإِخْرَاجِهِ مِنْهُ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَحَرَّمَ بِحُرْمَةِ الْحَرَمِ فَحَرُمَ اصْطِيَادُهُ وَأَكْلُهُ وَلَا جَزَاءَ عَلَى الصَّائِدِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْتَهِكْ حُرْمَةَ الْحَرَمِ وَلَا غَرَرَ بِإِرْسَالِهِ بِقُرْبِهِ.

(فَرْعٌ) وَالْبُعْدُ هُوَ مَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْكَلْبَ لَا يَلْحَقُهُ بِهِ وَأَنَّهُ سَيُدْرِكُهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ يَرْجِعُ عَنْهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>