للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

الِاخْتِصَاصَ بِالْبَيْتِ وَالتَّحْرِيمَ بِهِ إنَّمَا وُجِدَ مِنْ الْحَمَامِ دُونَ غَيْرِهِ وَبِذَلِكَ مَضَى حُكْمُ السَّلَفِ لِتَخَصُّصِهَا بِذَلِكَ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) يَجِبُ فِي صِغَارِ الصَّيْدِ مَا يَجِبُ فِي كِبَارِهِ وَفِي مَعِيبِهِ مَا يَجِبُ فِي سَلِيمِهِ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَجِبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ الْقِيمَةُ عَلَى أَصْلِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ فِي فَرْخِ النَّعَامَةِ فَصِيلٌ وَفِي وَلَدِ بَقَرَةِ الْوَحْشِ عِجْلٌ وَفِي وَلَدِ الظَّبْيِ سَخْلَةٌ وَفِي الْمَعِيبِ مِنْ الْوَحْشِ مَعِيبٌ مِنْ مِثْلِهِ مِنْ النَّعَمِ الدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: ٩٥] فَقَيَّدَ ذَلِكَ بِمَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ هَدْيًا دُونَ مَا لَا يُجْزَى فِيهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا حَيَوَانٌ مُخْرَجٌ عَلَى وَجْهِ الْكَفَّارَةِ فَلَمْ يَخْتَلِفْ بِاخْتِلَافِ سِنِّ الْمُتْلِفِ أَصْلُ ذَلِكَ الرَّقَبَةُ.

(فَصْلٌ) :

وقَوْله تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: ٩٥] يَقْتَضِي إخْرَاجَ الْجَزَاءِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ حُكْمِ ذَوِي الْعَدْلِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَيَّدَ الْجَزَاءَ بِحُكْمِ الْحَكَمَيْنِ فَكَانَ شَرْطًا فِيهِ كَتَقْيِيدِ الصِّفَاتِ وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي ذَلِكَ فَإِنْ أَخْرَجَ أَحَدٌ الْجَزَاءَ قَبْلَ الْحُكْمِ فَعَلَيْهِ إعَادَتُهُ بِالْحُكْمِ إلَّا حَمَامَ مَكَّةَ فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى حَكَمَيْنِ قَالَهُ مَالِكٌ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ مِنْ جَزَاءِ حَمَامِ مَكَّةَ لَيْسَ بِمِثْلٍ لَهَا مِنْ جِهَةٍ مِنْ الْجِهَاتِ فَلَوْ اجْتَهَدَ حَكَمَانِ فِي ذَلِكَ لَمَا جَازَ أَنْ يُؤَدِّيَهُمَا اجْتِهَادُهُمَا فِي الْحُكْمِ إلَّا إلَى الشَّاةِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَحْكُمْ فِيهَا الْحَكَمَانِ، وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ مُحْتَاجٌ فِيهِ إلَى حُكْمِ الْحَكَمَيْنِ بِتَحْقِيقِ مِثْلِ ذَلِكَ الصَّيْدِ وَهَلْ يَحْتَاجُ إلَى الْحَكَمَيْنِ لِانْحِتَامِ جِنْسِ الْجَزَاءِ أَمْ لَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّهُ إذَا حَكَمَ الْحَكَمَانِ انْحَتَمَ عَلَيْهِ مَا حَكَمَا بِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى غَيْرِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ فِي زَاهِيهِ لَهُ الرُّجُوعُ مَا لَمْ يُنْفِذَا عَلَيْهِ الْحُكْمَ فَإِذَا أَنْفَذَاهُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَنْهُ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُمَا إنْ حَكَمَا عَلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ بِالْهَدْيِ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ إلَى الطَّعَامِ أَوْ الصِّيَامِ بِحُكْمِهِمَا أَوْ بِحُكْمِ غَيْرِهِمَا، وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا.

وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ: أَنَّ هَذَا حُكْمٌ ثَابِتٌ بِالشَّرْعِ فَوَجَبَ أَنْ يَنْحَتِمَ مَا حَكَمَا بِهِ مِنْ الْإِصَابَةِ أَصْلُ ذَلِكَ سَائِرُ أَحْكَامِ الشَّرْعِ.

وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ لَمَّا كَانَ مُخَيَّرًا فِيمَا يَحْكُمُ بِهِ ثَبَتَ أَنَّ حُكْمَهُمَا إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمِقْدَارِ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ مِثْلِ الصَّيْدِ أَوْ قَدْرِ الطَّعَامِ أَوْ الصِّيَامِ فَإِذَا قَدَّرَ الصَّيْدَ بِمِثْلِهِ مِنْ النَّعَمِ، ثُمَّ اخْتَارَ الْإِطْعَامَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْمِثْلُ الَّذِي حَكَمَا بِهِ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى مَا يَخْتَارُهُ مِنْ الْإِطْعَامِ أَوْ الصِّيَامِ فَحُكْمُ حَكَمَيْنِ فِي تَقْدِيرِهِ بِالِاخْتِيَارِ لَهُ بَعْدَ الْحُكْمِ كَالِاخْتِيَارِ لَهُ قَبْلَ الْحُكْمِ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَكَمَا قَالَ تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: ٩٥] لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ اثْنَيْنِ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ فِيهِ الْعَدَدَ كَمَا شَرَطَ الْعَدَالَةَ وَكَمَا شَرَطَ الْعَدَدَ فِي الشُّهُودِ فَقَالَ تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: ٢٨٢] وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ أَحَدَهُمَا وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: ٩٥] ، وَالْحَاكِمُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ يَحْكُمُ بِهِ عَدْلٌ مِنْكُمْ عَلَيْكُمْ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَحْكُمُ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنْ قَبِلَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ مَا ذَكَرْتُمْ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَقِلُّ مِنْ وَلَا يَتَقَدَّرُ مَحْذُوفٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَاطَبَ بِذَلِكَ الْمُؤْمِنِينَ فَتُحْمَلُ الْآيَةُ عَلَى كُلِّ عَدْلٍ مِنْ الْمُخَاطَبِينَ، وَالْقَاتِلُ مِنْ جُمْلَتِهِمْ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَحْكُمَ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ وَلِذَلِكَ قِيلَ: اُحْكُمْ عَلَى نَفْسِكَ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْكَ الْحَاكِمُ، فَالْجَوَابُ أَنَّ مُخَاطَبَةَ الْبَارِي الْمُؤْمِنِينَ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ مِنْ جُمْلَةِ الْحُكَّامِ فِي ذَلِكَ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَعَالَى خَاطَبَ الْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ} [البقرة: ٢٨٢] الْآيَةَ وَالْمَشْهُودُ لَهُ مِنْهُمْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الشَّهِيدَيْنِ، وَقَوْلُهُمْ إنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَحْكُمُ عَلَى نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْحُكْمِ عَلَيْهِ الْقَهْرُ لَهُ وَالْغَلَبَةُ وَالرَّدُّ عَنْ الْبَاطِلِ إلَى الْحَقِّ وَهَذَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يَفْعَلَهُ الْإِنْسَانُ فِي نَفْسِهِ كَمَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يَأْمُرَهَا وَيَنْهَاهَا فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ غَيْرُ الْحَكَمَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>