للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

بِذَلِكَ مَنْعَهُ مِنْ النَّظَرِ إلَيْهَا لَمَّا رَأَى مِنْ قَصْدِهِ إلَى ذَلِكَ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ نَهَى الْمَرْأَةَ عَنْ النَّظَرِ إلَى الْفَضْلِ وَلَا صَرَفَ وَجْهَهَا إلَى الشِّقِّ الْآخَرِ، وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَمْنُوعَةً مِنْ النَّظَرِ إلَى الرَّجُلِ بِمَعْنَى تَأَمُّلِ مَحَاسِنِهِ وَالنَّظَرِ إلَى جَمَالِهِ.

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور: ٣٠] وَقَالَ تَعَالَى {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: ٣١] وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَ ذَلِكَ لَمَّا احْتَمَلَ نَظَرُهَا إلَى جِهَتِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ إلَّا لِسُؤَالِهَا عَنْ مَسْأَلَتِهَا إذَا كَانَتْ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي جِهَةٍ يَتَضَمَّنُهَا نَظَرُهَا فَكَانَ نَظَرُهَا إلَى تِلْكَ الْجِهَةِ مَقْصِدًا جَائِزًا فَتَرَكَ الْإِنْكَارَ عَلَيْهَا لِذَلِكَ وَالْفَضْلُ وَلَمْ يَكُنْ لِنَظَرِهِ إلَى جِهَتِهَا مَقْصِدٌ جَائِزٌ ظَاهِرٌ غَيْرُ تَأَمُّلِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اجْتَزَأَ بِصَرْفِ وَجْهِ الْفَضْلِ إلَى الشِّقِّ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ نَظَرَ الْمَرْأَةِ إلَى شَيْءٍ مِنْ وَجْهِ الْفَضْلِ فَكَانَ فِي ذَلِكَ مَنْعًا لِلْفَضْلِ مِنْ النَّظَرِ إلَيْهَا وَمَنْعًا لَهَا مِنْ النَّظَرِ إلَيْهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اجْتَزَأَ بِمَنْعِ الْفَضْلِ مِنْ النَّظَرِ إلَيْهَا لَمَّا رَأَى أَنَّهَا تَعْلَمُ بِذَلِكَ مَنْعَ نَظَرِهَا إلَيْهِ؛ لِأَنَّ حُكْمَهَا فِي ذَلِكَ حُكْمُهُ وَلَعَلَّهَا لَمَّا صَرَفَ وَجْهَ الْفَضْلِ فَهِمَتْ ذَلِكَ فَصَرَفَتْ وَجْهَهَا أَوْ بَصَرَهَا عَنْ النَّظَرِ إلَيْهِ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا يَقْتَضِي أَنَّ الْحَجَّ مِنْ الْفُرُوضِ الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [آل عمران: ٩٧] وَالْحَجُّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْقَصْدُ يُقَالُ: حَجَّ يَحُجُّ حَجًّا بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْحِجُّ بِكَسْرِهَا هُوَ الِاسْمُ إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ قَدْ وَرَدَ بِتَخْصِيصِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَاسْتِعْمَالِهَا فِي قَصْدٍ مَخْصُوصٍ إلَى مَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ عَلَى شَرَائِطَ مَخْصُوصَةٍ، وَإِنَّمَا يَجِبُ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي فَذَهَبَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إلَى أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ هُوَ عَلَى التَّرَاخِي وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي، وَقَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ إنَّهُ مَذْهَبُ الْمَغَارِبَةِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَلَنَا فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْأَوَامِرَ عَلَى التَّرَاخِي.

وَالثَّانِي: أَنْ يَدُلَّ عَلَى الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا.

فَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْأَوَامِرَ عَلَى التَّرَاخِي فَهُوَ أَنَّ لَفْظَةَ افْعَلْ لَيْسَتْ بِمُقْتَضِيَةٍ لِلزَّمَانِ إلَّا بِمَعْنَى أَنَّ الْفِعْلَ لَا يَقَعُ إلَّا فِي زَمَانٍ وَذَلِكَ لِاقْتِضَائِهَا لِلْحَالِ وَالْمَكَانِ ثُمَّ ثَبَتَ وَتَقَرَّرَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْمَأْمُورِ بِهِ فِي أَيِّ مَكَان شَاءَ وَعَلَى أَيِّ حَالٍ شَاءَ فَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ فِي أَيِّ زَمَانٍ شَاءَ وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى نَفْسِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا رُوِيَ «أَنَّ ضِمَامَ بْنَ ثَعْلَبَةَ حِينَ وَرَدَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: آللَّهُ أَمَرَك أَنْ تَحُجَّ هَذَا الْبَيْتَ؟ قَالَ نَعَمْ» وَإِنَّمَا وَرَدَ عَلَيْهِ فِي سَنَةِ خَمْسٍ، ثُمَّ أَخَّرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى سَنَةِ عَشْرٍ، وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ: أَنَّ كُلَّ وَقْتٍ لَا يَكُونُ بِتَأْخِيرِ الْإِحْرَامِ إلَيْهِ قَاضِيًا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ بِتَأْخِيرِ الْإِحْرَامِ إلَيْهِ عَاصِيًا كَالتَّأْخِيرِ إلَى الثَّامِنِ مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ.

(فَرْعٌ) إذَا قُلْنَا: إنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي فَإِنَّ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ اخْتَلَفُوا فَظَاهِرُ قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى ظَنِّهِ إذَا غَلَبَ لِلْفَوَاتِ فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْ ذَلِكَ عَصَى، وَإِنْ اخْتَرَمَتْهُ الْمَنِيَّةُ فَجْأَةً قَبْلَ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ الْفَوَاتُ فَلَيْسَ بِعَاصٍ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ: إنَّهُ إنَّمَا يَجُوزُ لَهُ التَّأْخِيرُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْأَدَاءِ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعِصْيَانَ قَدْ وَقَعَ بِتَأْخِيرِهِ وَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: إنَّهُ إذَا أَخَّرَهُ عَنْ أَوَّلِ عَامٍ فَهُوَ قَاضٍ لَا مُؤَدٍّ وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يَكُونُ قَاضِيًا مَا دَامَ حَيًّا وَإِنَّمَا يَكُونُ الْقَضَاءُ عَنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ إنْ حَجَّ عَنْهُ أَحَدٌ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهَا إنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ فِي الْحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ إلَى أَنْ أَذِنَ لَهَا فِي الْحَجِّ عَنْهُ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِبَارِ الِاسْتِطَاعَةِ فِي وُجُوبِ أَدَاءِ الْحَجِّ أَوْ فِي الْحَجِّ وَلَهُ شُرُوطُ

<<  <  ج: ص:  >  >>