للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

يَرُوحَ النَّاسُ إلَى عَرَفَةَ.

وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ هَذَا وَقْتُ يَأْسٍ مِنْ إكْمَالِ حَجِّهِ بِعَدُوٍّ غَالِبٍ فَجَازَ لَهُ أَنْ يُحِلَّ فِيهِ أَصْلُ ذَلِكَ يَوْمُ عَرَفَةَ.

وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ حُكْمِ الْإِحْرَامِ بِمَا يُمْكِنُهُ وَالْتِزَامُهُ لَهُ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ الْوَقْتُ الَّذِي يَجُوزُ لِلْحَاجِّ التَّحَلُّلُ بِمَا يُمْكِنُهُ الْإِتْيَانُ بِهِ فَكَانَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ عِنْدِي أَظْهَرُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا فِي الْعُمْرَةِ فَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ يُقِيمُ وَيَتَرَبَّصُ رَاجِيًا زَوَالَ الْعَدُوِّ مَا لَمْ يَضُرَّ الِانْتِظَارُ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَرْجُ زَوَالَ الْعَدُوِّ إلَّا فِي مُدَّةٍ يَلْحَقُهُ بِمِثْلِهَا الضَّرُّ رَحَلَ وَهُوَ مِثْلُ الْحَجِّ وَقَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ هَذَا فِي الْعَدُوِّ الَّذِي يُرْجَى زَوَالُهُ، وَأَمَّا الْعَدُوُّ الَّذِي لَا يُرْجَى زَوَالُهُ كَالْمُسْتَوْطِنِ وَنَحْوِهِ فَإِنْ كَانَ تُرْجَى إبَاحَتُهُ لِلطَّرِيقِ فَإِنَّ التَّوَقُّفَ فِي ذَلِكَ وَمُحَاوَلَتَهُ يَجْرِي عِنْدِي مَجْرَى رَجَاءِ زَوَالِهِ وَمُحَاوَلَتِهِ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَرْجُ زَوَالَهُ وَلَا إبَاحَتَهُ لِلطَّرِيقِ جَازَ الْإِحْلَالُ بِنَفْسِ ظُهُورِهِ وَتَغَلُّبِهِ وَمَنْعِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَحَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ الْإِحْصَارُ لَا يَكُونُ إلَّا عَمَّا لَا يَتِمُّ النُّسُكُ إلَّا بِهِ وَهُوَ فِي الْعُمْرَةِ الْبَيْتُ وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَفِي الْحَجِّ مَعَ ذَلِكَ عَرَفَةُ فَإِنْ أُحْصِرَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ عَنْ مَكَّةَ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالْمَنَاسِكِ كُلِّهَا وَيَنْتَظِرُ أَيَّامًا فَإِنْ زَالَ الْعَدُوُّ وَأَمْكَنَهُ الْوُصُولُ إلَى الْبَيْتِ طَافَ وَإِلَّا حَلَّ وَانْصَرَفَ؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ نُسُكِهِ بِمَا يُمْكِنُهُ وَمَا حُصِرَ عَنْهُ تَحَلَّلَ وَجَازَ لَهُ تَرْكُهُ كَمَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ جَمِيعِ النُّسُكِ فَإِنْ دَخَلَ مَكَّةَ فَأُحْصِرَ عَنْ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحِلَّ دُونَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَيَسْعَى وَيُؤَخِّرَ الْحِلَاقَ فَإِنْ يَئِسَ مِنْ زَوَالِ الْعَدُوِّ أَوْ طَالَ انْتِظَارُهُ بِمِقْدَارِ مَا يُدْرِكُهُ بِهِ الضَّرَرُ حَلَقَ وَحَلَّ؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ لَهُ مَتَى مَا حُصِرَ فَتَرْكُ مَا مُنِعَ مِنْهُ جَائِزٌ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ النُّسُكِ بِمَا قَدَرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَزِمَهُ بِالْإِحْرَامِ لَهُ وَلَهُ إذَا تَحَلَّلَ حُكْمُ الْحَاجِّ لَا حُكْمُ الْمُعْتَمِرِ قَالَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أُحْصِرَ بِالْحُدَيْبِيَةِ نَحَرَ هَدْيَهُ وَحَلَقَ وَكَذَلِكَ فَعَلَ سَائِرُ أَصْحَابِهِ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ نَحَرَهُ وَحَلَقَ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ حَلَقَ فَأَتَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ النُّسُكِ بِمَا أَمْكَنَهُ» ، وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّهُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَلَمْ يَفُتْهُ وَإِنَّمَا عَمِلَ عَمَلَهُ لِلْعُمْرَةِ وَإِنَّمَا عَمَلُهُ لِلْحَجِّ وَقَدْ كَانَ يَحْكُمُ لَهُ بِتَمَامِ حَجِّهِ دُونَ أَنْ يَطُوفَ وَيَسْعَى وَقَدْ طَافَ وَسَعَى.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ أَهَلَّ مِنْ مَكَّةَ بِالْحَجِّ فَحَالَ الْعَدُوُّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَرَفَةَ فَلْيَحُلَّ وَيَنْصَرِفْ وَلَيْسَ عَلَيْهِ طَوَافٌ وَلَا سَعْيٌ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الْوُرُودِ سَاقِطٌ عَنْهُ وَطَوَافَ الْإِفَاضَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ الْعَمَلِ بِمَا مُنِعَ مِنْهُ بِالْحَصْرِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَوْ أُحْصِرَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَقَبْلَ الْوُصُولِ إلَى الْبَيْتِ عَنْ الْوُصُولِ إلَى شَيْءٍ مِنْ الْمَنَاسِكِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى التَّقَدُّمِ إلَى قُرْبِ مَكَّةَ وَمَمْنُوعٌ مِنْهَا وَمِنْ سَائِرِ الْمَنَاسِكِ فَلَهُ عِنْدِي أَنْ يَحِلَّ بِمَوْضِعِهِ فَإِنْ كَانَ الْعَدُوُّ مَنَعَ الطَّرِيقَ فَقَدْ رَوَى الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ طَرِيقًا أُخْرَى فَيَسْلُكَ حَيْثُ لَا تَسْلُكُ وَيَمُرَّ بِالْأَثْقَالِ حَيْثُ لَا يَمُرُّ بِهَا وَلَا يَرْكَبَ الْمَخَاوِفَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا هَذَا فَهُوَ مَحْصُورٌ وَإِنْ كَانَ وَجَدَ سَبِيلًا آمِنَةً مَسْلُوكَةً وَإِنْ كَانَتْ أَبْعَدَ مِنْ طَرِيقِهِ الْمُعْتَادِ فَلَيْسَ بِمَحْصُورٍ إنْ بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ مَا يَصِلُ فِيهِ عَلَى مِثْلِ تِلْكَ الطَّرِيقِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ عَلِمَ بِالْحَصْرِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ فَلَا يُحْرِمُ فَإِنْ فَعَلَ فَلَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْمَحْصُورِ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَلِمَ بِالْمَنْعِ، وَأَحْرَمَ فَقَدْ أَلْزَمَهُ نَفْسَهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ التَّحَلُّلُ لِذَلِكَ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَحِلُّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَيَنْحَرُ هَدْيَهُ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ فِي جَوَازِ التَّحَلُّلِ وَلَا خِلَافَ نَعْلَمُهُ فِيهِ وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ عَنْ الْبَيْتِ فِي عُمْرَتِهِ فَتَحَلَّلَ بِالْحُدَيْبِيَةِ «قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُعْتَمِرِينَ فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ دُونَ الْبَيْتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>