للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا وَقَفَ عَلَى الصَّفَا يُكَبِّرُ ثَلَاثًا وَيَقُولُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يَصْنَعُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيَدْعُو وَيَصْنَعُ عَلَى الْمَرْوَةِ مِثْلَ ذَلِكَ» ) .

ــ

[المنتقى]

وَالْخَوْفِ عَلَى النُّزُولِ وَكُرِهَ الْخُرُوجُ لِلْمَرِيضِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَذْهَبُ بِالْخُرُوجِ فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ يَبْتَدِئُ طَوَافَهُ وَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ إنْ لَمْ يَبْدَأْهُ حَتَّى يَرْجِعَ فَعَلَيْهِ دَمٌ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي صِفَةِ الْخُرُوجِ إلَى الصَّفَا فَهُوَ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ، ثُمَّ يَسْتَلِمَ الْحِجْرَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى السَّعْيِ؛ لِأَنَّهُ مَارٌّ بِالْحِجْرِ يُرِيدُ السَّعْيَ الَّذِي هُوَ مِنْ جِنْسِ الطَّوَافِ.

(فَرْعٌ) وَلَمْ يَحُدَّ مَالِكٌ لِمَنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ إلَى الصَّفَا بَابًا يَخْرُجُ مِنْهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَنَاسِكِ الْخُرُوجُ عَلَى بَابِ الصَّفَا غَيْرَ أَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهُ مَنْ خَرَجَ إلَيْهَا فَإِنَّهُ لَا يَخْرُجُ إلَّا عَلَى ذَلِكَ الْبَابِ إلَّا أَنْ يَتَكَلَّفَ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْوُقُوفِ وَيُبْتَدَأُ السَّعْيُ بِالصَّفَا قَبْلَ الْمَرْوَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَدَأَ بِالصَّفَا قَبْلَ الْمَرْوَةِ فَقَالَ تَعَالَى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: ١٥٨] وَهَذَا حُكْمُ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَنْ يَبْدَأَ بِالصَّفَا وَالْأَصْلُ فِيهِ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُهُ «نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ وَبَدَأَ بِالصَّفَا» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الصَّفَا أَقْرَبُ إلَى الْبَيْتِ فَيَخْرُجُ إلَيْهَا الْحَاجُّ أَوْ الْمُعْتَمِرُ مِنْ السَّعْيِ بِخُطُوَاتٍ يَسِيرَةٍ، ثُمَّ يَرْقَى إلَى الصَّفَا، ثُمَّ يَتَوَجَّهُ مِنْهَا إلَى الْمَرْوَةِ سَاعِيًا فِي نُسُكِهِ وَلَوْ بَدَأَ أَوَّلًا بِالْمَرْوَةِ لَخَرَجَ إلَيْهَا مِنْ الْمَسْجِدِ فَمَرَّ بِأَكْثَرِ الْمَسْعَى وَهُوَ غَيْرُ سَاعٍ، وَذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يَقْصِدَ الْإِنْسَانُ إلَى أَنْ يَطُوفَ بِأَكْثَرِ الْبَيْتِ قَبْلَ طَوَافِهِ وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ فَكَانَ الْبَدْءُ بِالصَّفَا أَوْلَى.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ قَبْلَ الصَّفَا بَنَى عَلَى سَعْيِهِ شَوْطًا ثَامِنًا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ حَتَّى يُتِمَّ بِهِ سَبْعًا أَوَّلُهَا الْوُقُوفُ بِالصَّفَا وَآخِرُهَا الْوُقُوفُ بِالْمَرْوَةِ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ سَعْيِهِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عَقِيبَ الْوُقُوفِ عَلَى الصَّفَا لَمْ يَعْتَدَّ بِهِ وَاعْتَدَّ مِنْ سَعْيِهِ بِمَا تَعَقَّبَ وُقُوفَهُ عَلَى الصَّفَا فَأَكْمَلَ عَلَيْهِ بَقِيَّةَ سَعْيِهِ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَا ذَكَرْنَاهُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ «فَبَدَأَ بِالصَّفَا» يُرِيدُ أَنَّهُ بَدَأَ بِالْوُقُوفِ عَلَيْهَا أَوْ افْتَتَحَ بِذَلِكَ سَعْيَهُ وَوُقُوفَهُ عَلَى الصَّفَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَعَلَى الْمَرْوَةِ مِثْلُهَا وَبِذَلِكَ يُتِمُّ سَعْيَ سَبْعَ مَرَّاتٍ بَيْنَهُمَا.

(ش) : قَوْلُهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا وَقَفَ عَلَى الصَّفَا» الْوُقُوفُ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يَكُونُ بِأَعْلَاهُمَا مِنْ حَيْثُ يَرَى الْبَيْتَ قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَذَلِكَ أَنَّ لَفْظَ الْوُقُوفِ عَلَى الصَّفَا يَقْتَضِي الْإِشْرَافَ عَلَيْهَا، وَإِذَا كَانَ بِأَعْلَاهَا أَمْكَنَهُ رُؤْيَةُ الْبَيْتِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَذَا حُكْمُ الرَّجُلِ فَأَمَّا النِّسَاءُ فَمَنْ سَعَتْ مِنْهُنَّ فِي سِعَةِ وَقْتِ خَلْوَةٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ تَقِفُ عَلَى أَعْلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَمَنْ سَعَتْ بَيْنَ الرِّجَالِ فَلْتَقِفْ فِي أَصْلِ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلَا تَرْقَى إلَى أَعْلَاهُ؛ لِأَنَّ التَّأَخُّرَ عَنْ الرِّجَالِ وَالِاعْتِزَالَ لِمَوْضِعِهِمْ مَشْرُوعٌ لَهُنَّ مُتَعَيَّنٌ عَلَيْهِنَّ، أَصْلُ ذَلِكَ الطَّوَافُ وَالصَّلَاةُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقْعُدَ عَلَى الصَّفَا أَوْ الْمَرْوَةِ وَلْيَقِفْ قَالَ مَالِكٌ لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ فَإِنْ فَعَلَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَأَمَّا السَّقِيمُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْعُدَ.

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْوُقُوفَ مَشْرُوعٌ؛ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ دُعَاءٍ وَتَضَرُّعٍ فَالْوُقُوفُ فِيهِ أَفْضَلُ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا وَقَفَ عَلَى الصَّفَا يُكَبِّرُ فَإِنْ كَانَ لَهُ عُذْرُ مَرَضٍ أُبِيحَ لَهُ الْقُعُودُ» ؛ لِأَنَّهُ عُذْرٌ يُسْقِطُ حُكْمَ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهَا فَبِأَنْ يَسْقُطَ هَاهُنَا أَوْلَى وَأَحْرَى.

١ -

(فَصْلٌ) :

قَوْلُهُ «ثُمَّ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا وَيَقُولُ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيَدْعُو» عَلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَانَ يُكَرِّرُ مَا تَكَلَّمَ وَكَانَ إذَا سَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ ثَلَاثًا» ؛ لِأَنَّ أَقْوَالَهُ قُرْبٌ وَرَحْمَةٌ فَكَانَ يُكَرِّرُهَا ثَلَاثًا تَارَةً لِلْإِفْهَامِ وَالتَّعْلِيمِ وَتَارَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>