للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا طَعَنَ فِي سَنَامِ هَدْيِهِ وَهُوَ يُشْعِرُهُ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ) .

ــ

[المنتقى]

وَأَشْعَرَهُ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَأَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ» .

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا إشْعَارُهُ مِنْ الشِّقِّ الْأَيْسَرِ فَهُوَ مِنْ سُنَّتِهِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ تَكُونَ مُوَجَّهَةً إلَى الْقِبْلَةِ وَأَنْ يَكُونَ مُبَاشِرُ ذَلِكَ مُتَوَجِّهًا إلَى الْقِبْلَةِ وَلَا يَتَأَتَّى مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَلِيَهُ مِنْهُ إلَّا الشِّقَّ الْأَيْسَرَ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشْعَرَ بَدَنَتَهُ فِي صَفْحَةِ سَنَامِهَا الْأَيْمَنِ» وَلَعَلَّهُ كَانَ ذَلِكَ لِصُعُوبَتِهَا أَوْ لِيُرِيَ الْجَوَازَ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا كَانَتْ بَدَنُهُ ذَلُولًا أَشْعَرَهَا مِنْ قِبَلِ شِقِّهَا الْأَيْسَرِ وَإِنْ كَانَتْ صَعُوبَا فَرَّقَ بَدَنَتَيْنِ، ثُمَّ قَامَ بَيْنَهُمَا فَأَشْعَرَ إحْدَاهُمَا مِنْ الْأَيْمَنِ وَالْأُخْرَى مِنْ الْأَيْسَرِ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ لَمْ يُشْعِرْهُمَا ابْنُ عُمَرَ فِي الشِّقَّيْنِ أَنَّهُمَا سُنَّةٌ لَكِنْ لِيُذَلِّلَهَا وَإِنَّمَا السُّنَّةُ فِي الشِّقِّ الْأَيْسَرِ فِي الصِّعَابِ وَغَيْرِهَا وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ قَوْلُهُ يُشْعِرُهَا مِنْ الشِّقَّيْنِ أَيِّ الشِّقِّ أَمْكَنَهُ.

(فَرْعٌ) وَالْإِشْعَارُ طُولًا فِي شِقِّ الْبَعِيرِ وَهُوَ فِي عَرْضِ السَّنَامِ بِطُولِ الْبَعِيرِ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُرَادُ بِذَلِكَ الْإِعْلَانُ بِأَمْرِ الْهَدْيِ وَإِذَا كَانَ الْإِشْعَارُ بِالطُّولِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ كَانَ مَجْرَى الدَّمِ عَرِيضًا فَيَتَبَيَّنُ الْإِشْعَارُ وَإِذَا كَانَ بِطُولِ السَّنَامِ مَعَ عَرْضِ ظَهْرِ الْبَعِيرِ كَانَ مَجْرَى الدَّمِ يَسِيرًا فَلَا يَقَعُ بِهِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودُ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَذَا إذَا كَانَ لِلْبَقَرِ أَوْ الْإِبِلِ أَسْنِمَةٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَسْنِمَةٌ فَإِنَّهَا تُقَلَّدُ وَلَا تُشْعَرُ رَوَاهُ الْعُتْبِيُّ وَاخْتَارَ ابْنُ حَبِيبٍ أَنْ تُشْعَرَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَسْنِمَةٌ.

وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْإِشْعَارَ مُخْتَصٌّ بِالسَّنَامِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُفْعَلُ فِي غَيْرِهِ مَعَ وُجُودِهِ فَإِذَا عَدِمَ فَقَدْ عَدِمَ مَحَلُّ الْإِشْعَارِ كَالْغَنَمِ.

وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ هَذَا هَدْيٌ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فَكَانَ حُكْمُهُ أَنْ يُشْعَرَ كَاَلَّتِي لَهَا أَسْنِمَةٌ وَأَمَّا الْغَنَمُ فَإِنَّهَا لَا تُشْعَرُ جُمْلَةً؛ لِأَنَّ الْإِشْعَارَ مُضِرٌّ بِهَا لِصِغَرِ أَجْسَامِهَا وَضَعْفِهَا عَنْهُ فَفِي إشْعَارِهَا تَعْرِيضًا لِلْهَلَاكِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ ثُمَّ يُسَاقُ مَعَهُ حَتَّى يُوقَفَ بِهِ مَعَ النَّاسِ بِعَرَفَةَ يُرِيدُ أَنَّهُ يَسْتَصْحِبُ هَدْيَهُ وَيَحْضُرُ مَعَهُ وُصُولَهُ إلَى مَكَّةَ وَخُرُوجَهُ إلَى مِنًى وَعَرَفَةَ حَتَّى يُوقَفَ بِهِ بِعَرَفَةَ حِينَ وُقُوفِ النَّاسِ فَأَمَّا الْوُقُوفُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَيَّامِ فَغَيْرُ مَشْرُوعٍ ثُمَّ يَدْفَعُ بِهِ مَعَهُمْ إذَا دَفَعُوا يُرِيدُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَإِذَا قَدِمَ مِنًى غَدَاةَ النَّحْرِ نَحَرَهُ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ يُرِيدُ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَقَبْلَ الْحِلَاقِ أَوْ التَّقْصِيرِ فَذَلِكَ مَحَلُّ النَّحْرِ وَلَا يَجُوزُ نَحْرُ الْهَدْيِ لَيْلًا وَعَلَى هَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَجَمَاعَةِ أَصْحَابِهِ إلَّا أَشْهَبَ فَقَدْ رَوَى عَنْهُ ابْنُ حَارِثٍ أَنَّهُ يَجُوزُ نَحْرُ الْهَدْيِ أَوْ ذَبْحُهُ لَيْلًا، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ} [الحج: ٣٤] .

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَكَانَ يَنْحَرُ هَدْيَهُ بِيَدِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يُبَاشِرُ ذَلِكَ بِنَفْسِهِ وَهِيَ السُّنَّةُ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَكَانَ يَصُفُّهُنَّ قِيَامًا وَيُوَجِّهُهُنَّ إلَى الْقِبْلَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ نَحْرَهُنَّ قِيَامًا مَصْفُوفَةً أَيْدِيَهُنَّ هُوَ الشَّأْنُ وَالسُّنَّةُ وَيُوَجِّهُهُنَّ إلَى الْقِبْلَةِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ نُسُكٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْبَيْتِ يُمْكِنُ التَّوَجُّهُ فِيهِ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ سُنَّتِهِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ، ثُمَّ يَأْكُلُ وَيُطْعِمُ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ إذَا بَلَغَ مَحَلَّهُ وَيُطْعِمُ مَنْ شَاءَ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ بَعْدَ هَذَا - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - عِنْدَ ذِكْرِ مَا يُؤْكَلُ مِنْهُ مِنْ الْهَدَايَا وَيُمَيِّزُهُ مِنْ غَيْرِهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

(ش) : قَوْلُهُ أَنَّهُ كَانَ إذَا طَعَنَ فِي سَنَامِ هَدْيِهِ يُرِيدُ أَنَّ شُرُوعَهُ فِي الْإِشْعَارِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ بَعْضُ الطَّعْنِ فِي سَنَامِ الْبَعِيرِ يَشُقُّ الْجِلْدَ ثُمَّ يُمِرُّ السِّكِّينَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ فَكَانَ يَقُولُ إذَا شَرَعَ فِي ذَلِكَ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ عَلَى مَعْنَى التَّسْمِيَةِ عَلَى ابْتِدَاءِ النُّسُكِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ التَّسْمِيَةُ لِلْإِيجَابِ كَمَا يُسَمِّي لِلذَّبْحِ وَهَذَا مِمَّا رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ أَنَّ مَنْ تَوَلَّى إشْعَارَ هَدْيِهِ قَالَ بِسْمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>