للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: اعْلَمُوا أَنَّ عَرَفَةَ كُلَّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ وَالْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ مُحَسِّرٍ) .

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٧] قَالَ: فَالرَّفَثُ إصَابَةُ النِّسَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: ١٨٧] قَالَ: وَالْفُسُوقُ الذَّبْحُ لِلْأَنْصَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَوْ {فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: ١٤٥] قَالَ: وَالْجِدَالُ فِي الْحَجِّ أَنَّ قُرَيْشًا كَانَتْ تَقِفُ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِالْمُزْدَلِفَةِ بِقُزَحٍ وَكَانَتْ الْعَرَبُ وَغَيْرُهُمْ يَقِفُونَ بِعَرَفَةَ فَكَانُوا يَتَجَادَلُونَ يَقُولُ هَؤُلَاءِ: نَحْنُ أَصْوَبُ وَيَقُولُ هَؤُلَاءِ: نَحْنُ أَصْوَبُ فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلا يُنَازِعُنَّكَ فِي الأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ} [الحج: ٦٧] فَهَذَا الْجِدَالُ فِي الْحَجِّ فِيمَا نَرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ

ــ

[المنتقى]

فَصْلٌ)

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ» يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ عُرَنَةُ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ عَرَفَةَ فَيَكُونُ ذَلِكَ اسْتِثْنَاءً مِمَّا عَمَّمَهُ بِقَوْلِهِ «عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ» فَكَأَنَّهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ عَلَى حَسَبِ مَا قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بَعْدَ هَذَا وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ أَنَّهُ لَمْ يَمُدَّ عَرَفَةَ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ عُرَنَةَ وَاقْتَصَرَ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَوْقِفُ يَخْتَصُّ بِالْمَوْضِعِ الَّذِي يَتَنَاوَلُهُ هَذَا الِاسْمُ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ احْتَاجَ إلَى اسْتِثْنَائِهَا كَمَا لَمْ يَسْتَثْنِ مَا لَيْسَ مِنْ عَرَفَةَ مِنْ سَائِرِ الْجِهَاتِ وَإِنْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْوُقُوفُ بِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عُرَنَةَ لَيْسَتْ مِنْ عَرَفَةَ وَلَا يَتَنَاوَلُهَا اسْمُهَا فَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ» عَلَى مَعْنَى قَصْرِ هَذَا الْحُكْمِ عَلَى عَرَفَةَ وَمَا قَرُبَ مِنْهَا وَلِذَلِكَ قَالَ ارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ مَعَ قُرْبِهِ مِنْ عَرَفَةَ.

وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: بَطْنُ عُرَنَةَ هُوَ وَادٍ فِي عَرَفَةَ يُقَالُ إنَّ حَائِطَ مَسْجِدِ عَرَفَةَ الْقِبْلِيَّ عَلَى حَدِّهِ لَوْ سَقَطَ مَا سَقَطَ إلَّا فِيهِ.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ عَرَفَةَ فِي الْحِلِّ وَعُرَنَةُ فِي الْحَرَمِ وَبَطْنُ عُرَنَةَ الَّذِي أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالِارْتِفَاعِ عَنْهُ هُوَ بَطْنُ الْوَادِي الَّذِي فِيهِ مَسْجِدُ عَرَفَةَ قَالَ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: مَنْ وَقَفَ بِالْمَسْجِدِ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ وَلَكِنَّ الْفَضْلَ بِقُرْبِ الْإِمَامِ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَيْسَ الْوُقُوفُ لَهُ بِحَسَنٍ وَقَدْ رَوَى أَبُو الْقَاسِمِ بْنِ الْجَلَّابِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الْوُقُوفُ بِبَطْنِ عُرَنَةَ قِيلَ: فَإِنْ فَعَلَ حَتَّى دَفَعَ قَالَ: لَا أَدْرَى وَقَدْ قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ أَصْبَغُ: لَا حَجَّ لَهُ وَرَآهُ مِنْ بَطْنِ عُرَنَةَ قَالَ مَالِكٌ: لَا أُحِبُّ أَنْ يَقِفَ عَلَى جِبَالِ عَرَفَةَ وَلَكِنْ مَعَ النَّاسِ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ «وَالْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ» عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ مِنْ التَّأْوِيلِ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْتَفِعُوا عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ» .

وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: كَانَ النَّاسُ يَسْتَحِبُّونَ الْوُقُوفَ عَلَى الْجَبَلِ الَّذِي يَقِفُ عَلَيْهِ الْإِمَامُ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَيَقِفُ الْإِمَامُ حَيْثُ الْمَنَارَةُ الَّتِي عَلَى قُزَحٍ وَالْمَشْعَرِ مَا بَيْنَ جَبَلَيْ الْمُزْدَلِفَةِ وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا جَمْعٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ مَوْقِفٌ قَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ: مَا صُبَّ مِنْ مُحَسِّرٍ فِي الْمُزْدَلِفَةِ فَهُوَ مِنْهَا وَمَا صُبَّ مِنْهُ فِي مِنًى فَهُوَ مِنْهَا.

(مَسْأَلَةٌ)

وَقَدْ قَالَ أَشْهَبُ: يُسْتَحَبُّ الْوُقُوفُ بِالْمُزْدَلِفَةِ مَعَ الْإِمَامِ وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّمَا لَا يَقِفُ بِالْمَشْعَرِ بَعْدَ دَفْعِ الْإِمَامِ مَنْ بَاتَ بِهَا أَوْ وَقَفَ مَعَهُ وَأَمَّا مَنْ أَتَى بَعْدَ الْفَجْرِ فَلْيَقِفْ مَا لَمْ يُسْفِرْ جِدًّا وَإِنْ دَفَعَ الْإِمَامَ.

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: اعْلَمُوا أَنَّ عَرَفَةَ كُلَّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ وَالْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ مُحَسِّرٍ) .

(ش) : قَوْلُهُ اعْلَمُوا أَنَّ عَرَفَةَ كُلَّهَا مَوْقِفٌ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ عَلَى سَبِيلِ الِاجْتِهَادِ فِي تَعْلِيمِ هَذَا الْحُكْمِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي تَبْيِينِهِ وَقَوْلُهُ إلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ أَظْهَرُ فِي أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ عُرَنَةُ مِنْ عَرَفَةَ وَمُحَسِّرٌ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ وَلِذَلِكَ اسْتَثْنَاهُمَا مِنْ جُمْلَةِ مَا أَبَاحَ بِهِ الْوُقُوفَ لَهُ مِنْ عَرَفَةَ وَالْمُزْدَلِفَةِ وَقَدْ يَجُوزُ عِنْدَنَا أَنْ يَكُونَ اسْتِثْنَاءً مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ فَتَكُونُ عُرَنَةُ مِنْ غَيْرِ عَرَفَةَ وَمُحَسِّرٌ لَيْسَ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَظْهَرُ فَإِذَا قُلْنَا بِجَوَازِ ذَلِكَ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ فَمَعْنَاهُ إلَّا أَنَّ بَطْنَ عُرَنَةَ عَلَى قُرْبِهِ مِنْ عَرَفَةَ لَا يَجُوزُ الْوُقُوفُ بِهِ تَحْدِيدًا لِمَكَانِ الْوُقُوفِ وَتَحْذِيرًا مِنْ أَنْ يَجْرِيَ أَحَدٌ مَا قَرُبَ مِنْ عَرَفَةَ مَجْرَى عَرَفَةَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>