للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الْعَبْدِ يُعْتَقُ فِي الْمَوْقِفِ بِعَرَفَةَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُجْزِئُ عَنْهُ مِنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يُحْرِمْ فَيُحْرِمُ بَعْدَ أَنْ يُعْتَقَ ثُمَّ يَقِفُ بِعَرَفَةَ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ وَإِنْ لَمْ يُحْرِمْ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ إذَا لَمْ يُدْرِكْ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ الْمُزْدَلِفَةِ وَتَكُونُ عَلَى الْعَبْدِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ يَقْضِيهَا) .

ــ

[المنتقى]

النَّهَارِ أَجْزَأَهُ وَمَنْ وَقَفَ جُزْءًا مِنْ اللَّيْلِ أَجْزَأَهُ وَيَقُولُونَ مَعَ ذَلِكَ: إنَّ مَنْ وَقَفَ جُزْءًا مِنْ النَّهَارِ دُونَ اللَّيْلِ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَمَنْ وَقَفَ جُزْءًا مِنْ اللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ حَدِيثُ جَابِرٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَذَهَبَتْ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا حِينَ غَابَ الْقُرْصُ» وَأَفْعَالُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْوُجُوبِ لَا سِيَّمَا فِي الْحَجِّ.

وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مَنْ يَصِحُّ صَوْمُهُ فَلَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِفَرْضِ الْوُقُوفِ أَصْلُ ذَلِكَ أَوَّلُ النَّهَارِ.

(مَسْأَلَةٌ)

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَالْمُسْتَحَبُّ مِنْ الْوُقُوفِ أَنْ يُصَلِّيَ بِأَثَرِ الزَّوَالِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ ثُمَّ يَتَّصِلَ بِذَلِكَ الرَّوَاحُ إلَى الْمَوْقِفِ فَيَتَّصِلُ وُقُوفُهُ بِهِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ فَإِذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ دَفَعَ وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَ النَّفْلِ وَالْفَرْضِ فَإِنَّ دَفَعَ قَبْلَ الْغُرُوبِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ عَرَفَةَ إلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَإِنْ خَرَجَ مِنْ عَرَفَةَ قَبْلَ الْغُرُوبِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى عَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَعَلَيْهِ حَجٌّ قَابِلٌ وَالْهَدْيُ وَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ لَيْلًا وَتَرَكَ الْوُقُوفَ نَهَارًا مُخْتَارًا فَقَدْ رَوَى الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِم عَلَيْهِ الدَّمُ وَهَذَا يَقْتَضِي وُجُوبَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ بِانْفِرَادِهِ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ الْعَبْدَ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي حَالِ رِقِّهِ فَإِنَّ حَجَّهُ قَدْ وَقَعَ نَفْلًا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَصِحُّ مِنْهُ حَجُّ الْفَرْضِ فِي حَالِ رِقِّهِ فَإِنَّمَا يَتِمُّ حَجُّهُ عَلَى مَا انْعَقَدَ عَلَيْهِ مِنْ النَّفْلِ فَإِنْ أُعْتِقَ بَعْدَ أَنْ أَحْرَمَ بِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ أَوْ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا فَإِنَّ حَجَّهُ لَا يُجْزِئُ عَنْ فَرْضِهِ لِأَنَّ حَجَّهُ انْعَقَدَ نَفْلًا فَلَا يَنْقَلِبُ إلَى الْفَرْضِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ لِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ انْعَقَدَتْ نَفْلًا فَإِنَّهَا لَا تَنْقَلِبُ فَرْضًا كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ.

(فَصْلٌ)

وَقَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يُحْرِمْ فَيُحْرِمُ بَعْدَ أَنْ يُعْتَقَ ثُمَّ يَقِفُ بِعَرَفَةَ مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ قَبْلَ أَنْ يَطْلُعَ الْفَجْرُ فَإِنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُهُ يُرِيدُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَبَقِيَ حَلَالًا حَتَّى أُعْتِقَ فَأَدْرَكَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ وَيَقِفَ بِعَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ فَإِنَّ حَجَّهُ يُجْزِئُهُ عَنْ فَرْضِهِ لِأَنَّ إحْرَامَهُ انْعَقَدَ بِنِيَّةِ الْفَرْضِ وَهُوَ مِمَّنْ يَصِحُّ مِنْهُ الْفَرْضُ وَيَلْزَمُهُ بِخِلَافِ مَنْ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُعْتَقَ فَإِنَّ إحْرَامَهُ انْعَقَدَ نَفْلًا فَلَا يُجْزِئُهُ عَنْ أَدَاءِ الْفَرْضِ إذَا لَزِمَهُ.

(مَسْأَلَةٌ)

فَإِنْ أَحْرَمَ الْمُعْتَقُ بِعَرَفَةَ فَمَتَى يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ قَالَ مَالِكٌ: يُلَبِّي حِينَ إحْرَامِهِ ثُمَّ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: يُلَبِّي حَتَّى يَرْمِيَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ.

(فَصْلٌ)

وَقَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُحْرِمْ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ الْمُزْدَلِفَةِ يُرِيدُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يُحْرِمْ بَعْدَ عِتْقِهِ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ مِنْ لَيْلَةِ النَّحْرِ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَلَا يَخْلُو أَنْ لَا يُحْرِمَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ يُحْرِمُ فَإِنْ لَمْ يُحْرِمْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا حَجَّةُ الْإِسْلَامِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ هَذَا بِقَوْلِهِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ عَلَى تَأْوِيلِ أَنَّهُ لَمَّا رَأَى أَنَّهُ قَدْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ لَمْ يُحْرِمْ بِالْحَجِّ وَهُوَ الصَّوَابُ إلَّا أَنْ يُحْرِمَ بِهِ إذَا طَلَعَ لَهُ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَكَانَ فِي وَقْتٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ إنْ أَحْرَمَ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ قَبْلَ الْوُصُولِ إلَى عَرَفَةَ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي حَجٍّ مُتَيَقَّنٍ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ.

(فَصْلٌ)

وَقَوْلُهُ وَتَكُونُ عَلَى الْعَبْدِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ يَقْضِيهَا يُرِيدُ أَنَّهُ إذَا فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ إمَّا لِأَنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ أَوْ لِأَنَّهُ أَحْرَمَ قَبْلَ الْعِتْقِ أَوْ أَحْرَمَ بَعْدَ الْعِتْقِ فَلَمْ يُمْكِنْهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ فَإِنَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ بَاقِيَةٌ عَلَيْهِ لَا يَقْضِيهَا عَنْهُ وَلَا يَسْقُطُ وُجُوبُهَا بِشَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>