للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ص (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: مَنْ غَرَبَتْ لَهُ الشَّمْسُ مِنْ أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهُوَ بِمِنًى فَلَا يَنْفِرَنَّ حَتَّى يَرْمِيَ الْجِمَارَ مِنْ الْغَدِ) .

ــ

[المنتقى]

الْخَذْفِ وَالْجَمْرَةُ اسْمٌ لِمَوْضِعِ الرَّمْيِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ بِاسْمِ مَا يَرْمِي بِهَا فِيهَا وَالْجِمَارُ الْحِجَارَةُ قَدْرُ مَا يُرْمَى بِهِ مِنْهَا مِثْلُ حَصَى الْخَذْفِ وَهُوَ حَصَى مَائِلٌ إلَى الصِّغَرِ فَتَرْمِي بِهِ الْعَرَبُ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ تَجْعَلُهُ بَيْنَ السَّبَّابَةِ وَالْإِبْهَامِ مِنْ الْيُسْرَى ثُمَّ تَقْذِفُهُ بِالسَّبَّابَةِ مِنْ الْيُمْنَى.

وَقَدْ «رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّهْيُ عَنْهُ» .

(فَصْلٌ)

وَقَوْلُ مَالِكٍ وَأَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ قَلِيلًا أَحَبُّ إلَيَّ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ حَدِيثُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ وَلِذَلِكَ نُسِبَ الْقَوْلُ إلَى بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَوْ بَلَغَهُ حَدِيثُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ وَجْهٍ صَحِيحٍ لَمَا نَسَبَهُ إلَى غَيْرِهِ وَلَاسْتَحَبَّ مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ رَوَى أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ «جَابِرٍ قَالَ: رَأَيْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَى الْجَمْرَةَ بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ» وَوَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ بَلَغَهُ حَدِيثُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ رَمَى بِذَلِكَ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَ ذَلِكَ تَبْيِينًا لِلْجَوَازِ وَأَخْذًا بِالْأَيْسَرِ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا أَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ احْتِيَاطًا لِئَلَّا يُقَصَّرَ عَنْ مِثْلِ مَا رَمَى بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ إذَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَمَى بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ كُرِهَ أَنْ يُقَصِّرَ أَحَدٌ عَنْ ذَلِكَ فَيَرْمِي بِمَا هُوَ أَصْغَرُ مِنْ حَصَى الْخَذْفِ وَمَنْ تَحَرَّى مِثْلَ حَصَى الْخَذْفِ أَخَذَ مَرَّةً أَكْبَرَ مِنْهُ وَمَرَّةً مِثْلَهُ وَمَرَّةً أَصْغَرَ مِنْهُ فَيُخِلُّ بِبَعْضِ التَّقْدِيرِ الَّذِي سَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ أَنْ يَزِيدَ عَلَى حَصَى الْخَذْفِ لِيَتَيَقَّنَ أَنَّهُ رَمَى بِمَا رَمَى بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا يُقَصِّرُ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي بِأَكْبَرَ مِنْ حَصَى الْخَذْفِ وَهَذَا أَيْضًا لَيْسَ بِأَيْسَرَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَدْرُ حَصَى الْخَذْفِ عَلَى مَعْنَى التَّحْدِيدِ الَّذِي لَا يَجُوزُ الْإِخْلَالُ بِشَيْءٍ مِنْهُ لَكَانَ ذَلِكَ يَمْنَعُ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَبْيَنُ وَالْأَخْذُ بِمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى وَأَحَقُّ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ)

وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ حَصَى الْجِمَارِ مِنْ مَنْزِلِهِ بِمِنًى أَوْ حَيْثُ شَاءَ مَا لَمْ يَأْخُذْهَا مِنْ الْحَصَى الَّذِي قَدْ رُمِيَ بِهِ إلَّا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَخْذُهُ مِنْ الْمُزْدَلِفَةِ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ عِنْدِي غَيْرَ الِاسْتِعْدَادِ بِالْجِمَارِ لِأَنَّ الدَّاخِلَ إلَى مِنًى يَقْصِدُ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَيَرْمِيهَا وَلَا يُقَدِّمُ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا لِأَنَّ رَمْيَهُ يَتَّصِلُ بِوُصُولِهِ قَبْلَ أَنْ يَحُطَّ رَحْلَهُ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ جِمَارُهُ مُعَدَّةً لِيُمْكِنَهُ أَنْ يَصِلَ رَمْيُهُ بِالْوُصُولِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعَدَّةً فَصَلَ بَيْنَ وُصُولِهِ وَرَمْيِهِ بِطَلَبِ الْجِمَارِ وَكَسْرِهَا وَأَمَّا غَيْرُهَا مِنْ الْجِمَارِ فَإِنَّمَا يَرْمِيهَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي بَعْدَ الزَّوَالِ فَيَتَّسِعُ لَهُ الْوَقْتُ لِطَلَبِ الْجِمَارِ وَإِعْدَادِهَا.

١ -

(مَسْأَلَةٌ)

وَلَا يَرْمِي مِنْ الْجِمَارِ بِمَا قَدْ رُمِيَ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ سَقَطَتْ مِنْهُ حَصَاةٌ أَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ مَوْضِعِهِ حَصَاةً مَكَانَهَا فَيَرْمِي بِهَا مَكَانَ الَّتِي سَقَطَتْ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ إنْ تَيَقَّنَ أَنَّهَا الْحَصَاةُ الَّتِي سَقَطَتْ مِنْهُ فَلْيَأْخُذْهَا وَأَنَّهُ لَيَكْرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْجِمَارِ الَّتِي قَدْ رُمِيَ بِهَا وَإِنِّي لَأَتَّقِيهِ فَإِنْ أَخَذَ مِنْهَا حَصَاةً وَهُوَ لَا يَتَيَقَّنُ أَنَّهَا الَّتِي سَقَطَتْ مِنْهُ فَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفِيفًا.

وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَشْهَبَ فِيمَنْ فَقَدَ حَصَاةً مِنْ عِنْدِ الْجَمْرَةِ فَرَمَى بِهَا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ، وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ مَنْ رَمَى الْجِمَارَ لَا يُغَيِّرُهَا عَنْ حَالِهَا وَلَا يُحْدِثُ فِيهَا مَعْنًى لَمْ يَكُنْ فِيهَا فَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ رَمْيِهَا كَتَقْلِيبِهَا فِي يَدِهِ، وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ قَدْ أُدِّيَتْ بِهَا الْعِبَادَةُ فَلَا يَجْزِي تَكْرَارُهَا بِهَا كَالْهَدْيِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مَبْنَى الْقَوْلِ فِيهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَكْرَارِ الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ.

ش قَوْلُهُ مَنْ غَرَبَتْ لَهُ الشَّمْسُ مِنْ أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يُرِيدُ يَوْمَ يَنْفِرُ الْمُتَعَجِّلُ وَهُوَ الثَّانِي مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالثَّالِثُ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ جَلَسَ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَعَجَّلَ وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا لَهُ التَّعْجِيلُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ تَغِيبَ لَهُ الشَّمْسُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَهُوَ بِمِنًى فَإِنْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ لَزِمَهُ الْمَبِيتُ بِهَا وَالْمُقَامُ مِنْ الْغَدِ إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>