للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ص.

(مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ قَرِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ: إنِّي أَجْرَيْتُ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي فَرَسَيْنِ نَسْتَبِقُ إلَى ثُغْرَةِ ثَنِيَّةٍ فَأَصَبْنَا ظَبْيًا وَنَحْنُ مُحْرِمَانِ فَمَاذَا تَرَى؟ فَقَالَ عُمَرُ لِرَجُلٍ إلَى جَنْبِهِ: تَعَالَ حَتَّى أَحْكُمَ أَنَا وَأَنْتَ قَالَ: فَحَكَمْنَا عَلَيْهِ بِعَنْزٍ فَوَلَّى الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحْكُمَ فِي ظَبْيٍ حَتَّى دَعَا رَجُلًا يَحْكُمُ مَعَهُ فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ الرَّجُلِ فَدَعَاهُ فَسَأَلَهُ هَلْ تَقْرَأُ سُورَةَ الْمَائِدَةِ؟ قَالَ: لَا قَالَ: فَهَلْ تَعْرِفُ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي حَكَمَ مَعِي؟ فَقَالَ: لَا: فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ أَخْبَرْتَنِي أَنَّك تَقْرَأُ سُورَةَ الْمَائِدَةِ لَأَوْجَعْتُك ضَرْبًا ثُمَّ قَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: ٩٥] وَهَذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ) .

ــ

[المنتقى]

صِيَامٌ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ لَا يُحْكَمُ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ بِجَفْرَةٍ وَلَا عَنَاقٍ وَلَا يُحْكَمُ بِدُونِ الْمُسِنِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: ٩٥] فَقُيِّدَ ذَلِكَ بِالْهَدْيِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَخْرُجَ فِي ذَلِكَ مَا لَيْسَ بِهَدْيٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْجَزَاءِ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ الْآيَةُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا حَيَوَانٌ لَا يَكُونُ بَدَلُهُ هَدْيًا فَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَدَلٌ مِنْ النَّعَمِ أَصْلُ ذَلِكَ صِغَارُ الطَّيْرِ وَالْحَشَرَاتِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْأَرْنَبِ وَفِي الْيَرْبُوعِ فَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْزٌ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ لَيْسَ فِيمَا دُونَ الظَّبْيِ إلَّا الطَّعَامُ أَوْ الصِّيَامُ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ إنَّمَا يُرَاعَى الْمِثْلُ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ مِنْ جِهَةِ الْقَدْرِ وَالصُّورَةِ وَقَدْ وُجِدَ فِي الْيَرْبُوعِ الْمِثْلُ مِنْ جِهَةِ الصُّورَةِ فَوَجَبَ أَنْ يُطْلَبَ أَقْرَبُ الْمِثْلِ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ الْقَدْرِ كَمَا يُفْعَلُ ذَلِكَ فِي صِغَارِ الْوَحْشِ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ لَهُ مِثْلٌ مِنْ جِهَةِ الصُّورَةِ لَمْ يُرَاعَ الْقَدْرُ فَحَكَمْنَا فِي صَغِيرِ النَّعَامِ بِمَا يُحْكَمُ فِيهِ بِكَبِيرِهِ وَهِيَ الْبَدَنَةُ مَعَ تَفَاوُتِ مَا بَيْنَهُمَا فِي الْقَدْرِ وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَّ الصِّفَةَ وَالْقَدْرَ يَجِبُ أَنْ يُرَاعَا فِي الْجِنْسِ فَإِذَا كَانَ الشَّبَهُ يَقْرُبُ مِنْ جِهَةِ الصُّورَةِ وَالشَّبَهُ يَقْرُبُ مِنْ جِهَةِ الْقَدْرِ فِي الْجِنْسِ حَكَمْنَا فِيهِ بِالْمِثْلِ وَإِذَا تَفَاوَتَ فِي الْقَدْرِ فِي جُمْلَةِ الْجِنْسِ وَجَبَ أَنْ لَا يُحْكَمَ فِيهِ بِمِثْلٍ كَمَا لَا يُحْكَمُ فِي صِغَارِ الطَّيْرِ وَالْحَشَرَاتِ وَلَا يَدْخُلُ عَلَى هَذَا صِغَارُ مَا لَهُ مِثْلٌ لِأَنَّ الشَّبَهَ مِنْ جِهَةِ الضَّرُورَةِ وَالْقَدْرِ قَدْ وُجِدَ فِي الْجِنْسِ ص.

(مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ قَرِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ: إنِّي أَجْرَيْتُ أَنَا وَصَاحِبٌ لِي فَرَسَيْنِ نَسْتَبِقُ إلَى ثُغْرَةِ ثَنِيَّةٍ فَأَصَبْنَا ظَبْيًا وَنَحْنُ مُحْرِمَانِ فَمَاذَا تَرَى؟ فَقَالَ عُمَرُ لِرَجُلٍ إلَى جَنْبِهِ: تَعَالَ حَتَّى أَحْكُمَ أَنَا وَأَنْتَ قَالَ: فَحَكَمْنَا عَلَيْهِ بِعَنْزٍ فَوَلَّى الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحْكُمَ فِي ظَبْيٍ حَتَّى دَعَا رَجُلًا يَحْكُمُ مَعَهُ فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ الرَّجُلِ فَدَعَاهُ فَسَأَلَهُ هَلْ تَقْرَأُ سُورَةَ الْمَائِدَةِ؟ قَالَ: لَا قَالَ: فَهَلْ تَعْرِفُ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي حَكَمَ مَعِي؟ فَقَالَ: لَا: فَقَالَ عُمَرُ: لَوْ أَخْبَرْتَنِي أَنَّك تَقْرَأُ سُورَةَ الْمَائِدَةِ لَأَوْجَعْتُك ضَرْبًا ثُمَّ قَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: ٩٥] وَهَذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ) .

(ش) : قَوْلُهُ أَجْرَيْنَا فَأَصَبْنَا ظَبْيًا وَنَحْنُ مُحْرِمَانِ فَمَاذَا تَرَى؟ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَفْتِيًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ طَلَبَ الْحُكْمَ عَلَيْهِ إذَا اعْتَقَدَ أَنَّ الْوَاحِدَ يَصِحُّ حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ.

(فَصْلٌ) :

وَاسْتِدْعَاءُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الرَّجُلَ الَّذِي إلَى جَنْبِهِ أَنْ يَحْكُمَ مَعَهُ امْتِثَالُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: ٩٥] وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ رَجُلَيْنِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ أَحَدَهُمَا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ هَاهُنَا.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ فَحَكَمَا عَلَيْهِ بِعَنْزٍ يُرِيدُ أَنَّهُ اخْتَارَ الْمِثْلَ وَلِذَلِكَ حَكَمَا عَلَيْهِ بِعَنْزٍ يُهْدِيهَا لِأَنَّهَا أَقْرَبُ الْأَنْعَامِ شَبَهًا وَقَدْرًا بِالظِّبَاءِ فَظَنَّ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إنَّمَا اسْتَدْعَى مَنْ يَحْكُمُ مَعَهُ لِعَجْزِهِ عَنْ الْحُكْمِ فِي قَضِيَّتِهِ مُفْرِدًا حَتَّى يُعِينَهُ عَلَيْهَا الرَّجُلُ الَّذِي اسْتَدْعَاهُ لِلْحُكْمِ مَعَهُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ عُمَرَ لَهُ هَلْ تَقْرَأُ سُورَةَ الْمَائِدَةِ خَصَّ سُورَةَ الْمَائِدَةِ بِالسُّؤَالِ عَنْهَا لِمَا كَانَ الْحُكْمُ فِيهَا دُونَ غَيْرِهَا مِنْ السُّوَرِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: ٩٥] وَسَأَلَهُ هَلْ تَعْرِفُ الرَّجُلَ الَّذِي مَعَهُ لِمَا كَانَ مَشْهُورًا بِالْعَدَالَةِ وَالْعِلْمِ وَالْأَمَانَةِ وَإِنَّ كُلَّ مَنْ عُرِفَ عَيْنُهُ عُرِفَ عَدَالَتُهُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَوْ أَخْبَرْتَنِي أَنَّك تَقْرَأُ سُورَةَ الْمَائِدَةِ لَأَوْجَعْتُك ضَرْبًا إعْلَامًا لَهُ بِأَنَّهُ قَدْ عَذَرَهُ لِجَهْلِهِ لَمَّا لَمْ يَقْرَأْ السُّورَةَ الَّتِي فِيهَا شَأْنُ هَذِهِ الْحُكُومَةِ.

وَقَالَ لَهُ: لَوْ أَخْبَرْتَنِي أَنَّك تَقْرَأُ سُورَةَ الْمَائِدَةِ لَأَوْجَعْتُك ضَرْبًا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ يُوجِعُهُ ضَرْبًا لِمَا أَظْهَرَ مِنْ مُخَالَفَتِهِ التَّنْزِيلَ إنْ كَانَ فَهِمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>