للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ نَتَفَ شَعْرًا مِنْ أَنْفِهِ أَوْ مِنْ إبِطِهِ أَوْ طَلَى جَسَدَهُ بِنَوْرَةٍ أَوْ يَحْلِقُ عَنْ شَجَّةٍ فِي رَأْسِهِ لِضَرُورَةٍ أَوْ يَحْلِقُ قَفَاهُ لِمَوْضِعِ الْمَحَاجِمِ وَهُوَ مُحْرِمٌ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا أَنَّ مَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ الْفِدْيَةُ وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَحْلِقَ مَوْضِعَ الْمَحَاجِمِ) .

ــ

[المنتقى]

تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: ١٩٦] ثُمَّ قَالَ: إلَّا أَنْ يُصِيبَهُ أَذًى فِي رَأْسِهِ فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُرِيدُ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: ١٩٦] .

(مَسْأَلَةٌ) :

وَهَذِهِ حَالُهُ فِي جَمِيعِ الْإِحْرَامِ حَتَّى يَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ أَوْ حَجِّهِ فَإِذَا حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ أَوْ حَجِّهِ حَلَّ لَهُ الْحِلَاقُ وَنَتْفُ الشَّعْرِ وَقَصُّهُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَلَا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يُقَلِّمَ أَظْفَارَهُ يُرِيدُ أَنَّ تَقْلِيمَ الْأَظْفَارِ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ إلْقَاءِ التَّفَثِ وَإِزَالَةِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِالتَّنْظِيفِ بِإِزَالَتِهِ كَحَلْقِ الشَّعْرِ وَقَصِّهِ مِنْ الرَّأْسِ وَالشَّارِبِ فَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ لِحُرْمَةِ الْإِحْرَامِ بِالنُّسُكِ كَحَلْقِ الشَّعْرِ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَلَا يَقْتُلُ قَمْلَةً وَلَا يَطْرَحُهَا مِنْ رَأْسِهِ إلَى الْأَرْضِ وَلَا مِنْ جِلْدِهِ وَلَا مِنْ ثَوْبِهِ فَإِنْ طَرَحَهَا فَلْيُطْعِمْ حَفْنَةً مِنْ طَعَامٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ قَتْلِ شَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ وَمَمْنُوعٌ مِنْ طَرْحِ الْقَمْلِ عَنْ جَسَدِهِ لِأَنَّهَا مِنْ دَوَابِّ الْجَسَدِ فَلَا يَطْرَحُهَا عَنْ شَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ رَأْسٍ وَلَا غَيْرِهِ وَلَا عَنْ ثَوْبٍ يَكُونُ عَلَى جَسَدِهِ مِمَّا يَلْبَسُهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ قَتْلِهِ.

وَقَدْ تَقَدَّمَ دَلِيلُنَا عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي إجَازَةِ طَرْحِهَا عَنْ جَسَدِهِ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ هُنَا فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ دَوَابِّ جَسَدِهِ كَالنَّمْلِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّ لَهُ طَرْحَهُ عَنْ جَسَدِهِ وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ حَفْنَةٌ مِنْ طَعَامٍ فِي قَتْلِ الْقَمْلَةِ لِقِلَّةِ مَا طَرَحَ مِنْهَا وَأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ مَبْلَغَ إمَاطَةِ الْأَذَى وَلَوْ جَهِلَ فَنَقَّى رَأْسَهُ أَوْ ثَوْبَهُ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِذَلِكَ لَكَانَ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَأَمَّا إذَا قَتَلَ قَمْلَةً أَوْ قَمَلَاتٍ فَإِنَّهُ يُطْعِمُ حَفْنَةً أَوْ حَفَنَاتٍ مِنْ طَعَامٍ وَمَا أَطْعَمَ أَجْزَأَهُ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَزَالَ عَنْ نَفْسِهِ الْقَمْلَ الْكَثِيرَ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِإِزَالَتِهِ وَيُنَقِّي جِسْمَهُ مِنْهُ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قِصَّةِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ لَمَّا رَأَى عَلَيْهِ الْهَوَامَّ فَقَالَ: أَتُؤْذِيك هَوَامُّك فَأَبَاحَ لَهُ الْحِلَاقَ وَأَمَرَهُ بِالْفِدْيَةِ لِأَنَّهُ أَزَالَ عَنْ نَفْسِهِ أَذَى الْهَوَامِّ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَزُلْ مِنْهُ إلَّا الْيَسِيرُ الَّذِي لَا يَسْتَضِرُّ بِهِ لِعِلَّةٍ وَلَا يَنْتَفِعُ بِإِزَالَتِهِ لِكَثْرَةِ مَا يَبْقَى عَلَيْهِ مِنْهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ فِيهِ إلَّا إطْعَامُ شَيْءٍ عَلَى مَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ أَذَاهُ.

(ش) : قَوْلُهُ وَمَنْ نَتَفَ شَعْرًا مِنْ أَنْفِهِ أَوْ مِنْ إبِطِهِ يُرِيدُ أَنَّ يَسِيرَ ذَلِكَ وَكَثِيرَهُ إذَا قَصَدَ إلَيْهِ سَوَاءٌ تَجِبُ بِذَلِكَ كُلِّهِ الْفِدْيَةُ لِأَنَّهُ مِنْ إمَاطَةِ الْأَذَى وَمِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ بِالتَّنْظِيفِ بِإِزَالَتِهِ وَإِزَالَةِ مِثْلِهِ وَأَمَّا مَا لَا يُقْصَدُ إلَى نَتْفِهِ وَإِنَّمَا يُقْصَدُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُرِيدَ نَزْعَ مُخَاطٍ يَابِسٍ مِنْ أَنْفِهِ فَتَنْقَلِعُ مَعَهُ شَعَرَاتٌ فَفِي الْمَبْسُوطِ عَنْ مَالِكٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ أَوْ طَلَى جَسَدَهُ بِالنُّورَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ إزَالَتِهِ الشَّعْرَ عَنْ جَسَدِهِ بِنَتْفٍ أَوْ حَلْقٍ أَوْ طِلَاءِ نَوْرَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إذَا كَانَ قَاصِدًا إلَى إزَالَتِهِ وَمَنْ طَلَى جَسَدَهُ بِنَوْرَةٍ فَقَدْ قَصَدَ إزَالَةَ الشَّعْرِ فَكَانَتْ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ أَوْ حَلَقَ مَوَاضِعَ مَحَاجِمِهِ يُرِيدُ أَنَّ عَلَيْهِ الْفِدْيَةَ إنْ حَلَقَ لَهَا شَعْرًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لِأَنَّ إمَاطَةَ الْأَذَى لَا تَخْتَلِفُ بِالضَّرُورَةِ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَأَمَّا الْحِجَامَةُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهَا وَإِنْ كَانَ يَكْرَهُهَا مَا لَمْ يَحْلِقْ شَعْرًا.

وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَا بَأْسَ بِهَا مَا لَمْ يَحْلِقْ شَعْرًا لَهَا، وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ الْمَحَاجِمَ إذَا كَانَتْ فِي مَوْضِعِ شَعْرٍ فَإِنَّهُ بِالْحَجْمِ يَنْقَطِعُ كَثِيرٌ مِنْهُ وَوَجْهُ قَوْلِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ إلَى قَطْعِهِ وَقَدْ أَمِنَ مِنْ قَتْلِ الْهَوَامِّ فَلَوْ كَانَتْ الْمَحَاجِمُ فِي الرَّأْسِ وَلَمْ يَحْلِقْ لَهَا شَعْرًا فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ إنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْحِجَامَةِ فِي غَيْرِ الرَّأْسِ لِمَا يُخَافُ أَنْ يَقْتُلَ مِنْ الدَّوَابِّ.

١ -

<<  <  ج: ص:  >  >>