للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَسَمِعْت بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ: إذَا رَمَى الْمُحْرِمُ شَيْئًا فَأَصَابَ شَيْئًا مِنْ الصَّيْدِ وَلَمْ يُرِدْهُ فَقَتَلَهُ إنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَفْدِيَهُ وَكَذَلِكَ الْحَلَالُ يَرْمِي فِي الْحَرَمِ شَيْئًا فَيُصِيبُ صَيْدًا لَمْ يُرِدْهُ فَيَقْتُلَهُ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَفْدِيَهُ لِأَنَّ الْعَمْدَ وَالْخَطَأَ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٌ) .

ــ

[المنتقى]

ذَلِكَ جَوَابٌ لِلسَّائِلِ عَنْ أَكْثَرَ مِمَّا سَأَلَهُ عَنْهُ لِأَنَّ السَّائِلَ إنَّمَا سَأَلَهُ عَنْ فِدْيَةِ الْأَذَى فَقَطْ فَأَجَابَ عَنْهَا وَعَنْ غَيْرِهَا مِنْ الْكَفَّارَاتِ وَذَلِكَ سَائِغٌ لِلْمَسْئُولِ أَنْ يَخُصَّ مَسْأَلَةَ السَّائِلِ بِالْجَوَابِ أَوْ يَزِيدَ عَلَيْهَا وَذَلِكَ بِقَدْرِ مَا يَرَى مِنْ فَهْمِ الْمَسَائِلِ وَحَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ فَإِذَا كَانَ السَّائِلُ مِنْ أَهْلِ الْفَهْمِ وَمِمَّنْ يَحْرِصُ عَلَى الْعِلْمِ أُجِيبَ بِأَكْثَرَ مِمَّا سَأَلَ إنْ أَمْكَنَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ عَوْنٌ لَهُ عَلَى مَا يَطْلُبُهُ مِنْ الْعِلْمِ وَإِرْشَادٌ لَهُ إلَى مَا لَا يَهْتَدِي إلَى السُّؤَالِ عَنْهُ وَجَمْعٌ لَهُ لِكَثِيرٍ مِنْ الْعِلْمِ وَلَعَلَّ فِيهِ تَقْرِيبًا لِمَا تَعَلَّقَ عَلَيْهِ الْحُكْمُ الَّذِي يُسْأَلُ عَنْهُ فَقَدْ زَادَهُ عِلْمًا مَعَ جَوَابِهِ وَعَمَّا سَأَلَ عَنْهُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْكَفَّارَاتِ بِأَوَانِهِ عَلَى التَّخْيِيرِ احْتِرَازًا مِمَّا وَرَدَ لِغَيْرِ التَّخْيِيرِ فِي غَيْرِ الْكَفَّارَاتِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: ٢٤] فَإِنَّ أَوْ هَاهُنَا لَيْسَتْ لِلتَّخْيِيرِ وَإِنَّمَا هِيَ لِلْمُسَاوَاةِ وَفِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصافات: ١٤٧] لَيْسَتْ لِلتَّخْيِيرِ أَيْضًا وَإِنَّمَا هِيَ لِلْإِبْهَامِ وَأَمَّا فِي الْكَفَّارَاتِ حَيْثُ وَرَدَتْ فِي الْقُرْآنِ فَإِنَّمَا هِيَ لِلتَّخْيِيرِ وَكَذَلِكَ وَرَدَتْ فِي كَفَّارَاتِ الْأَيْمَانِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةِ الْأَذَى.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَأَمَّا النُّسُكُ فَشَاةٌ يُرِيدُ أَنَّهَا الَّذِي لَا يَجُوزُ التَّقْصِيرُ عَنْهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ أَخْرَجَ عَنْهَا مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ بَدَنَةً أَوْ بَقَرَةً أَجْزَأَهُ وَقَوْلُهُ وَأَمَّا الصِّيَامُ فَثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَمَّا الْإِطْعَامُ فَيُطْعِمُ سِتَّةَ مَسَاكِينَ مُدَّيْنِ مُدَّيْنِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ مُدَّانِ بِالْمُدِّ الْأَوَّلِ مُدِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلِأَنَّهُ الْمُدُّ الشَّرْعِيُّ وَمَتَى أُطْلِقَ الْمُدُّ فِي الشَّرْعِ اقْتَضَى ذَلِكَ مُدَّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ مُدُّ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَمُدُّ وَقْتِ إثْبَاتِ الشَّرِيعَةِ وَقَوْلُ مَالِكٍ إنَّهُ الْمُدُّ الْأَوَّلُ يُرِيدُ أَنَّهُ مُدُّ الْمَدِينَةِ قَبْلَ مُدِّ هِشَامٍ وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَجْرِي فِي عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

(ش) : قَوْلُهُ فَمَنْ أَصَابَ صَيْدًا لَمْ يُرِدْهُ فَقَتَلَهُ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَفْدِيَهُ لِأَنَّ الْعَمْدَ وَالْخَطَأَ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٌ حُكْمٌ صَحِيحٌ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ غَيْرَ دَاوُد الْأَصْبَهَانِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ: لَا فِدْيَةَ عَلَى مَنْ أَصَابَ صَيْدًا خَطَأً وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَا تَسَبَّبَ مِنْ فِعْلِ الْمُحْرِمِ مِمَّا لَا تَدْعُوا الْمُحْرِمَ الضَّرُورَةُ الْعَامَّةُ إلَيْهِ فَهَلَكَ فِيهِ صَيْدٌ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ مِثْلُ أَنْ يَنْصِبَ شِرْكًا لِلصَّيْدِ أَوْ يَحْفِرَ بِئْرًا لِيَقَعَ فِيهِ سَبُعٌ فَوَقَعَ فِي ذَلِكَ صَيْدٌ فَعَطِبَ فَعَلَيْهِ جَزَاءُ ذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَاحْتَجَّ لِذَلِكَ بِأَنَّهُ نَصَبَهُ لِلصَّيْدِ فَكَانَ ضَامِنًا لِمَا وَقَعَ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ حَفَرَ فِي مَنْزِلِهِ بِئْرًا لِلسَّارِقِ فَوَقَعَ فِيهِ غَيْرُ السَّارِقِ فَإِنَّ عَلَيْهِ جَزَاءَهُ وَلَوْ حَفَرَ لِلْمَاءِ فَوَقَعَ فِيهِ صَيْدٌ أَوْ غَيْرُهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ حَفَرَ مُحْرِمًا بِئْرًا فَعَطِبَ فِيهِ الصَّيْدُ: إنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ كَذَلِكَ الْحَلَالُ يَرْمِي فِي الْحَرَمِ شَيْئًا فَيُصِيبُ صَيْدًا لَمْ يُرِدْهُ فَيَقْتُلُهُ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَفْدِيَهُ يُرِيدُ أَنَّ حُكْمَ الْمُحْرِمِ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْإِحْرَامِ وَإِنَّ عَمْدَهُ وَخَطَأَهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَعَلَى ذَلِكَ يَتَفَرَّعُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِمَّا يَتَسَبَّبُ مِنْ فِعْلِ الْمُحْرِمِ إذَا تَسَبَّبَ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ الْحَلَالِ فِي الْحَرَمِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَمَنْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ فِي الْحِلِّ عَلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ قَرِيبًا مِنْ الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ أَصْبَغَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ.

وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا: عَلَيْهِ الْجَزَاءُ فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَا قَرُبَ مِنْ الْحَرَمِ لَيْسَ لَهُ حُكْمُ الْحَرَمِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الصَّيْدِ إلَّا مِنْ جِهَةِ التَّغْرِيرِ فَإِذَا سَلِمَ مِنْ مُوَاقَعَةِ الْمَحْظُورِ فَهُوَ مُبَاحٌ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا احْتَجَّ بِهِ إنَّ هَذَا مَوْضِعٌ حُكْمُهُ حُكْمُ الْحَرَمِ لِأَنَّ مَا فِيهِ يَسْكُنُ بِسُكُونِ مَا فِي الْحَرَمِ وَيَنْفِرُ بِحَرَكَتِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>