للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ إذَا قَتَلَ الصَّيْدَ فَقَالَ سَعْدٌ: كُلْ وَإِنْ لَمْ تَبْقَ إلَّا بَضْعَةٌ وَاحِدَةٌ) .

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ

ــ

[المنتقى]

وَالشَّافِعِيُّ: يُؤْكَلُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا صَيْدٌ لَمْ يُرْسِلْ عَلَيْهِ فَلَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ أَصْلُهُ إذَا انْبَعَثَ مِنْ غَيْرِ إرْسَالٍ.

(مَسْأَلَةٌ) :

إذَا ثَبَتَ أَنَّ الصَّيْدَ يَحْتَاجُ أَنْ يُعْتَبَرَ بِالنِّيَّةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ ذَلِكَ فِي جَمَاعَةٍ يَرَاهَا الصَّائِدُ أَوْ يَرَى بَعْضَهَا أَوْ لَا يَرَى شَيْئًا مِنْهَا وَتُحْصَرُ بِمَوْضِعٍ لَا تَخْتَلِطُ بِغَيْرِهَا فِي الْأَغْلَبِ كَالْغَارِ فِيهِ الصَّيْدُ يُرْسِلُ جَارِحَهُ وَيَنْوِي جَمِيعَ مَا فِيهِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا يَصِحُّ إرْسَالُهُ إلَّا عَلَى مَا يَرَاهُ حِينَ الْإِرْسَالِ وَأَمَّا مَا لَا يَرَاهُ إذَا كَانَ الْمَوْضِعُ مِمَّا لَا يَنْحَصِرُ وَلَا يَمْتَنِعُ مِنْ دُخُولِ غَيْرِهِ مِنْ الصَّيْدِ إلَيْهِ كَالْغَيْضَةِ وَالْجَوْبَةِ مِنْ الْأَرْضِ فَقَدْ جَوَّزَ الْإِرْسَالَ عَلَى مَا فِيهَا أَصْبَغُ وَمَنَعَ مِنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَيَتَخَرَّجُ الْقَوْلَانِ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ وَأَقْوَالُ أَصْحَابِنَا فِيهَا عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ فَمَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ يَجُوزُ الْإِرْسَالُ عَلَى مَا لَا يَرَاهُ إذَا أُمِنَ مِنْ امْتِزَاجِ غَيْرِهِ بِهِ كَالْغَارِ وَلَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَأْمَنْ ذَلِكَ كَالْغِيَاضِ وَمَذْهَبُ أَصْبَغَ يَجُوزُ الْإِرْسَالُ عَلَى مَا فِي جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ سَوَاءٌ كَانَتْ مِمَّا يَصِلُ إلَيْهَا صَيْدٌ غَيْرُ مَا فِيهَا كَالْغِيَاضِ أَوْ مِمَّا لَا يَصِلُ إلَيْهِ كَالْغَارِ وَمَذْهَبُ أَشْهَبَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُرْسِلَ إلَّا عَلَى مَا يَرَاهُ وَأَمَّا الْإِرْسَالُ عَلَى غَيْرِ تَعْيِينٍ مِثْلُ أَنْ يُرْسِلَهُ عَلَى كُلِّ صَيْدٍ يَقُومُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ إنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ التَّعْيِينِ كَمَا لَوْ أَرْسَلَهُ وَنَوَى كُلَّ صَيْدٍ فِي الْعَالَمِ أَوْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَإِنْ قَتَلَ وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ يُرِيدُونَ قَتْلَ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ لِأَنَّ قَتْلَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ذَكَاةٌ إذَا أَخَذَهُ الْأَخْذَ الْمُعْتَادَ فَجَرَحَهُ فَمَاتَ مِنْ جُرْحِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ مِنْ صَاحِبِهِ أَوْ أَنْفَذَ مَقَاتِلَهُ وَأَمَّا إنْ قَتَلَهُ بِالصَّدْمِ أَوْ الضَّغْطِ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يُؤْكَلُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَشْهَبَ: يُؤْكَلُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: ٣] إلَى قَوْلِهِ {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: ٣] وَهَذِهِ نَطِيحَةٌ لَمْ تُذَكَّ فَلَا يَجُوزُ أَكْلُهَا وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ آلَةُ الصَّيْدِ فَإِذَا قَتَلَتْ مِنْ غَيْرِ جُرْحٍ لَمْ تُؤْكَلْ أَصْلُ ذَلِكَ السَّهْمُ وَالْمِعْرَاضُ وَوَجْهُ قَوْلِ أَشْهَبَ حَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَكُلْ وَإِنْ قَتَلَ» وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ يُجْرَحَ أَوْ لَا يُجْرَحُ وَمِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا صَيْدٌ مَاتَ بِفِعْلِ الْجَارِحِ فَجَازَ أَكْلُهُ أَصْلُ ذَلِكَ جُرْحُهُ فَأَمَّا إذَا مَاتَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُدْرِكَهُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إنَّ قَوْلَ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ وَلَا نَعْلَمُ فِي ذَلِكَ خِلَافًا فِي الْمَذْهَبِ.

(فَصْلٌ) :

وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ مَعْنَى ذَلِكَ إنْ لَمْ يَقْتُلْ فَأَدْرَكْت ذَكَاتَهُ فَذَكَّيْتُهُ لِأَنَّ ذَكَاةَ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ هِيَ الذَّكَاةُ الْمَعْهُودَةُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَكَاتِهِ حَتَّى قَتَلَهُ الْكَلْبُ سَوَاءٌ أَدْرَكَهُ أَوْ لَمْ يُدْرِكْهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَكْلُهُ لِأَنَّ قَتْلَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ ذَكَاتُهُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَإِنْ أَكَلَ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ هُوَ مَذْهَبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَذَلِكَ إنْ أَكَلَ الْكَلْبُ مِنْ الصَّيْدِ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ قَتْلِهِ.

وَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ قَتْلَهُ ذَكَاةٌ قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ فَلَا يَضُرُّ مَا طَرَأَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ قَتْلِهِ كَمَا لَا يَضُرُّ الذَّبِيحَةُ مَا طَرَأَ عَلَيْهَا بَعْدَ تَمَامِ ذَكَاتِهَا

(ش) : ظَاهِرُ السُّؤَالِ عَنْ الْكَلْبِ الْمُعَلَّمِ يَقْتُلُ الصَّيْدَ هَلْ يُبِيحُ ذَلِكَ أَكْلَهُ أَوْ لَا يُبِيحُهُ فَأَجَابَهُ سَعْدٌ بِقَوْلِ: كُلْ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ إلَّا بَضْعَةٌ وَلَيْسَ فِي السُّؤَالِ ذِكْرُ الْأَكْلِ غَيْرَ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يَقْتُلَهُ الصَّيْدُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَخْصُوصِ فَقَدْ كَمُلَتْ ذَكَاتُهُ فَلَا يَضُرُّك بَعْدَ ذَلِكَ مَا حَدَثَ عَلَى الصَّيْدِ فَكُلْ مَا وَجَدْت مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إلَّا بَضْعَةٌ وَاحِدَةٌ بِأَكْلِ الْكَلْبِ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّ ذَكَاتَهُ قَدْ كَمُلَتْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>