للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ ابْنِ وَعْلَةَ الْمِصْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ» )

ــ

[المنتقى]

مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا بِعَصَبٍ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْجِلْدِ شُرِطَ فِي التَّوَصُّلِ إلَيْهِ تَطْهِيرُهُ بِالذَّكَاةِ وَجُعِلَ لِذَلِكَ التَّطْهِيرِ عِنْدَ عَدَمِهِ بَدَلٌ وَهُوَ الدِّبَاغُ فَلَا يَجُوزُ اسْتِبَاحَةُ ذَلِكَ دُونَ الْبَدَلِ إذَا عُدِمَ الْمُبْدَلُ مِنْهُ كَالصَّلَاةِ جُعِلَتْ الطَّهَارَةُ شَرْطًا فِي صِحَّتِهَا وَجُعِلَ لِلطَّهَارَةِ بَدَلًا وَهُوَ التَّيَمُّمُ فَلَا يَجُوزُ اسْتِبَاحَتُهَا عِنْدَ عَدَمِ الْمُبْدَلِ مِنْهُ إلَّا بِالتَّيَمُّمِ الَّذِي هُوَ الْبَدَلُ فَهَذَا الْأَكْثَرُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَيُحْتَمَلُ الرِّوَايَةُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَيَكُونُ وَجْهُ ذَلِكَ التَّعَلُّقَ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ هَلَّا انْتَفَعْتُمْ بِجِلْدِهَا وَلَمْ يَشْتَرِطْ دِبَاغًا وَلَا غَيْرَهُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُمْ أَنَّهَا مَيْتَةٌ إظْهَارٌ لِلْوَجْهِ الَّذِي مَنَعَهُمْ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِجِلْدِ الْمَيْتَةِ حِينَ عَلِمُوا تَحْرِيمَ الْمَيْتَةِ فَاعْتَقَدُوا أَنَّ ذَلِكَ يُحَرِّمُ الِانْتِفَاعَ بِجِلْدِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْهَا وَأَنَّهُ قَدْ حُرِّمَ ذَلِكَ كُلُّهُ مِنْهَا كَمَا حُرِّمَ أَكْلُ لَحْمِهَا.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا تَبْيِينٌ لِمَا حُرِّمَ مِنْهَا وَإِعْلَامٌ أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهَا لَمْ يَفُتْ بِفَوْتِهَا كَمَا لَمْ يَفُتْ الْمُحْدِثَ الصَّلَاةُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ بَلْ قَدْ يُمْكِنُ اسْتِدْرَاكُهُ بِالدِّبَاغِ كَمَا يُمْكِنُ لِلْمُحْدِثِ اسْتِدْرَاكُ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِطَهَارَةِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ وَإِنَّمَا فِيهِ الْإِخْبَارُ عَنْ جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِهَا.

وَقَدْ اسْتَدَلَّ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى طَهَارَةِ جِلْدِ الْمَيْتَةِ بِالدِّبَاغِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا» وَإِنَّمَا لِلْحَصْرِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَا عَدَا الْأَكْلَ مِنْهُ بَاقٍ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِبَاحَةِ فِيهَا وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْرِ لِلطَّهَارَةِ وَلَا لِلنَّجَاسَةِ ذِكْرٌ وَإِنَّمَا جَرَى ذِكْرُ جَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِهَا فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ إنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا رَاجِعًا إلَيْهِ فِي إبَاحَةِ مَا يَقْتَضِي اللَّفْظُ إبَاحَتَهُ مِنْهُ وَمَنَعَ مَا يَقْتَضِي اللَّفْظُ مَنْعَ مِنْهُ فَأَمَّا الطَّهَارَةُ وَالنَّجَاسَةُ فَلَمْ يَجْرِ لَهُمَا ذِكْرٌ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا شَيْءٌ مِنْ اللَّفْظِ بِحَصْرٍ وَلَا غَيْرِهِ كَمَا أَنَّ بَقَاءَ الْمِلْكِ عَلَيْهَا وَإِزَالَتَهُ عَنْهَا لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ فَلَمْ يَرْجِعْ اللَّفْظُ إلَيْهِ وَلِذَلِكَ قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا وَأَصْحَابِهِمْ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا لِأَنَّ لَفْظَ الِانْتِفَاعِ بِهَا لَا يَتَنَاوَلُهُ فَلَمْ يَرْجِعْ إلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا» وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا» رَاجِعًا إلَى الشَّاةِ.

وَقَدْ يُنْتَفَعُ بِلَحْمِهَا أَيْضًا وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ: يُنْتَفَعُ بِهِ بِأَنْ يُطْعِمَهُ كِلَابَهُ قَالَهُ ابْنُ الْمَوَّازِ إذَا شَاءَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَذْهَبُ بِكِلَابِهِ إلَيْهَا وَلَا يَأْتِي بِالْمَيْتَةِ إلَى الْكِلَابِ.

(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ» تَصْرِيحٌ بِطَهَارَتِهِ بَعْدَ الدِّبَاغِ وَالطَّهَارَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: طَهَارَةٌ تَرْفَعُ النَّجَاسَةَ جُمْلَةً وَتُعِيدُ الْعَيْنَ طَاهِرَةً كَتَخَلُّلِ الْخَمْرِ وَطَهَارَةٌ تُبِيحُ الِانْتِفَاعَ بِالْعَيْنِ وَإِنْ لَمْ تَرْفَعْ حُكْمَ النَّجَاسَةِ كَتَطْهِيرِ الدِّبَاغِ جِلْدَ الْمَيْتَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَيَجْرِي ذَلِكَ مَجْرَى الْوُضُوءِ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ وَالتَّيَمُّمِ فِي اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ مَعَ بَقَاءِ الْحَدَثِ فَأَمَّا تَطْهِيرُ الدِّبَاغِ جِلْدَ الْمَيْتَةِ بِمَعْنَى الِانْتِفَاعِ بِهِ مَعَ بَقَاءِ نَجَاسَتِهِ فَمَا لَا خِلَافَ فِيهِ نَعْلَمُهُ فِي الْمَذْهَبِ.

قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ: جِلْدُ الْمَيْتَةِ قَبْلَ الدِّبَاغِ نَجِسٌ وَبَعْدَهُ طَاهِرٌ طَهَارَةً مَخْصُوصَةً يَجُوزُ بِهَا اسْتِعْمَالُهُ فِي الْيَابِسَاتِ وَفِي الْمَاءِ وَحْدَهُ مِنْ الْمَائِعَاتِ وَأَمَّا تَطْهِيرُهُ إيَّاهُ بِمَعْنَى رَفْعِ نَجَاسَتِهِ جُمْلَةً وَإِعَادَةِ طَهَارَتِهِ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ فَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ وَمَعْنَى ذَلِكَ الطَّهَارَةُ الَّتِي تَدْفَعُ النَّجَاسَةَ وَرَوَى شُيُوخُنَا الْعِرَاقِيُّونَ عَنْ مَالِكٍ رِوَايَةً أُخْرَى أَنَّهَا تَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ إلَّا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ وَهْبٍ وَابْنِ حَنْبَلٍ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ أَنَّهُ قَالَ: «قُرِئَ عَلَيْنَا كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا يَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ» وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يَصِحُّ احْتِجَاجُنَا بِهِ لِأَنَّا لَا نَمْنَعُ الِانْتِفَاعَ بِجِلْدِ الْمَيْتَةِ بَعْدَ الدِّبَاغِ وَهُمْ لَا يُخَالِفُونَا فِي الَّذِي لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>