للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

إنْ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ فِي الرُّعَافِ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَرْعُفْ لَمْ تَبْطُلْ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ لِأَنَّهُ خَرَجَ لِمَا يَجُوزُ لَهُ وَلْيُعِدْ هُوَ صَلَاتَهُ خَلْفَ الْمُسْتَخْلَفِ وَوَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْقَاسِمِ وَجَعَلَ خُرُوجَهُ مِنْ الصَّلَاةِ بِظَنِّ الرُّعَافِ مَمْنُوعًا مِنْهُ وَلِذَلِكَ أَبْطَلَ صَلَاتَهُ وَصَلَاةَ مَنْ خَلْفَهُ.

وَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ إنَّ ذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ وَلِذَلِكَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُ لِأَنَّ مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ السَّهْوِ لَا يَتَعَدَّى صَلَاةَ الْإِمَامِ إلَى صَلَاةِ الْمَأْمُومِ كَالْمُصَلِّي مُحْدِثًا.

وَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ فِي الْإِمَامِ شَكَّ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ أَوْ أَرْبَعٍ فَيُسَلِّمُ عَلَى شَكِّ أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ هَذَا مَأْمُورٌ بِالتَّمَادِي عَلَى إتْمَامِ صَلَاتِهِ وَمَنْهِيٌّ عَمَّا أَتَى بِهِ مِنْ السَّلَامِ وَمَنْ ظَنَّ الرُّعَافَ فَمَأْمُورٌ بِالْخُرُوجِ مَنْهِيٌّ عَنْ التَّمَادِي وَإِنَّمَا يَبْنِي عَلَى الظَّاهِرِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الظَّنِّ وَالشَّكِّ.

وَقَدْ قَالَ فِي الْوَاضِحَةِ وَكِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ فِي الَّذِي يُسَلِّمُ عَلَى الشَّكِّ فِي ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ أَنَّهَا تَجْزِيهِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ كَمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَهَا زَوْجٌ غَائِبٌ لَا يَدْرِي أَحَيٌّ هُوَ أَمْ مَيِّتٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَاتَ لِمِثْلِ مَا تَنْقَضِي فِيهَا عِدَّتُهَا قَبْلَ نِكَاحِهَا فَنِكَاحُهُ مَاضٍ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِيمَنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ شَكَّ فِي الْوُضُوءِ فَأَتَمَّ الصَّلَاةَ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ تَيَقَّنَ الْوُضُوءَ أَنَّ صَلَاتَهُ تَجْزِيهِ وَقَالَ أَشْهَبُ لَا تَجْزِيهِ وَهُوَ بَاطِلٌ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ انْصَرَفَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَجَعَ فَبَنَى يُرِيدُ انْصَرَفَ عَنْ صَلَاتِهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الصَّلَاةِ فَبَنَى عَلَى مَا تَقَدَّمَ لَهُ مِنْهَا وَلَمْ يَتَكَلَّمْ يُرِيدُ أَنَّهُ اسْتَدَامَ حُكْمَ الصَّلَاةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَتَوَضَّأَ فَإِنَّهُ يُحْتَمَلُ قَوْلُهُ فَتَوَضَّأَ وُضُوءَ الْحَدَثِ وَيُحْتَمَلُ غَسْلُ الدَّمِ وَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي أَرْبَعَةِ فُصُولٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ الرُّعَافَ لَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ.

وَالثَّانِي: فِي أَنَّ الْحَدَثَ يَمْنَعُ الْبِنَاءَ.

وَالثَّالِثُ: فِي أَنَّ الرُّعَافَ لَا يَنْقُضُ الصَّلَاةَ.

وَالرَّابِعُ: فِيمَا يَلْزَمُ مِنْ الْخُرُوجِ إلَى غَسْلِ الدَّمِ وَحُكْمِ الْبِنَاءِ.

فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَقَدْ تَقَدَّمَ دَلِيلُنَا عَلَى أَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ مِنْ الدَّمِ لَا يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي فِي أَنَّ الْحَدَثَ يَمْنَعُ الْبِنَاءَ سَوَاءٌ كَانَ غَالِبًا أَوْ غَيْرَ غَالِبٍ فَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنَّ الْحَدَثَ الْغَالِبَ لَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ وَالرُّعَافُ عِنْدَهُ حَدَثٌ غَالِبٌ فَلِذَلِكَ يَمْنَعُ الْبِنَاءَ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ الْمُحْدِثَ إذَا خَرَجَ إلَى الْوُضُوءِ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ فِي صَلَاةٍ أَوْ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ وَجَبَ أَنْ لَا يَبْنِيَ عَلَى أَوَّلِ صَلَاتِهِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ التَّفْرِيقَ مُفْسِدٌ لَهَا وَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ وَجَبَ أَنْ تَبْطُلَ صَلَاتُهُ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا وَلَوْ صَحَّ بَعْضُهَا مَعَ عَدَمِ الطَّهَارَةِ لَوَجَبَ أَنْ يَصِحَّ جَمِيعُهَا مَعَ عَدَمِ الطَّهَارَةِ وَهَذَا بَاطِلٌ بِاتِّفَاقٍ وَإِذَا بَطَلَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ بَطَلَ الْبِنَاءُ مَعَ الْحَدَثِ.

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي أَنَّ الرُّعَافَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَلَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّهُ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي فِي ذَلِكَ الْمُتَعَلِّقُ بِالْقِيَاسِ لِأَنَّهُ مَائِعٌ يَخْرُجُ مِنْ الْجَسَدِ مِنْ غَيْرِ مَسْلَكِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَلَمْ يُبْطِلْ خُرُوجُهُ الصَّلَاةَ كَالْعَرَقِ وَالدُّمُوعِ.

(فَصْلٌ) :

وَأَمَّا الْبِنَاءُ فَإِنَّ الْأَفْضَلَ عِنْدَ مَالِكٍ إنْ رَعَفَ أَنْ يَقْطَعَ الصَّلَاةَ بِكَلَامٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَغْسِلَ عَنْهُ الدَّمَ ثُمَّ يَبْتَدِرَ الصَّلَاةَ رَوَاهُ فِي الْمَجْمُوعَةِ ابْنُ نَافِعٍ وَعَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ وَجْهُ ذَلِكَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ وَيُؤَدِّيَ الصَّلَاةَ بِاتِّفَاقٍ.

(فَرْعٌ) وَهَذَا إذَا كَانَ مَأْمُومًا فَإِنْ كَانَ فَذًّا فَهَلْ لَهُ أَنْ يَبْنِيَ أَمْ لَا عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ وَالثَّانِيَةُ لَهُ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ.

وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْعَمَلَ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَيُنَافِيهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ بِفَائِدَةٍ لَا تَصِحَّ لَهُمَا بِهِ وَإِذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>