للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: «أَخْبَرَنِي عِبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنُ عِبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْيُسْرِ وَالْعُسْرِ وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ وَأَنْ نَقُولَ أَوْ نَقُومَ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ» ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: كَتَبَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَذْكُرُ لَهُ جُمُوعًا مِنْ الرُّومِ وَمَا

ــ

[المنتقى]

فَفِي النَّاسِ الضَّعِيفُ وَالْكَبِيرُ وَذُو الْعَاهَةِ وَالْفَقِيرُ وَوَصْفُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا الْمُعْتَزِلِ فِي أَنَّهُ فِي غَنِيمَتِهِ بِلَفْظِ التَّصْغِيرِ إشَارَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إلَى قِلَّةِ الْمَالِ وَقَدْ يَكُونُ اعْتِزَالُهُ ضَعْفًا عَنْ الْجِهَادِ.

وَقَدْ «رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ فِي غُزَاةٍ: إنَّ أَقْوَامًا بِالْمَدِينَةِ خَلْفَنَا مَا سَلَكْنَا شِعْبًا وَلَا وَادِيًا إلَّا وَهُمْ مَعَنَا حَبَسَهُمْ الْعُذْرُ» وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لَهُ قُوَّةٌ عَلَى الْجِهَادِ وَلَكِنَّهُ يُؤْمَرُ مَعَ الْغِنَى عَنْهُ بِالِانْقِبَاضِ وَالِاعْتِزَالِ لَمَّا يَرَى أَنَّ ذَلِكَ أَرْفَقُ بِهِ وَأَوْفَقُ لَهُ فِي دِينِهِ فَهَذَا أَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَعَبَدَ اللَّهَ تَعَالَى فَمَنْزِلَتُهُ بَعْدَ مَنْزِلَةِ الْمُجَاهِدِ مِنْ أَفْضَلِ الْمَنَازِلِ لِأَدَائِهِ الْفَرَائِضَ وَإِخْلَاصِهِ لِلَّهِ الْعِبَادَةَ وَبُعْدِهِ عَنْ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ إذَا خَفِيَ مَوْضِعُهُ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ شُهْرَةً لَهُ وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْذِي أَحَدًا وَلَا يَذْكُرُهُ وَلَا تَبْلُغُ دَرَجَتُهُ دَرَجَةَ الْمُجَاهِدِ لِأَنَّ الْمُجَاهِدَ يَذُبُّ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَيُجَاهِدُ الْكَافِرِينَ حَتَّى يُدْخِلَهُمْ فِي الدِّينِ يَتَعَدَّى فَضْلُهُ إلَى غَيْرِهِ وَيَكْثُرُ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَهَذَا الْمُعْتَزِلُ لَا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ إلَى غَيْرِهِ وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا رَأَى أَنَّ الِانْقِبَاضَ أَسْلَمُ لِدِينِهِ وَأَعْدَلُ لِحَالِهِ وَرَأَى أَنَّ نَفْسَهُ أَطَوْعُ لَهُ فِي الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَأَقْبَلَ عَلَيْهَا لِهَذَا الْمَعْنَى لَكَانَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الْحَظُّ لَهُ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَجِدُ نَفْسَهُ أَطَوْعَ لَهُ فِي الصَّلَاةِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَجِدُهَا أَطَوْعَ لَهُ فِي الْجِهَادِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَجِدُهَا أَطَوْعَ لَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَبْوَابِ الْبِرِّ وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِحَسْبِ مَا يُفْتَحُ عَلَى الْإِنْسَانِ وَيُقْسَمُ لَهُ.

(ش) : قَوْلُهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْلُ الْبَيْعِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْمُعَاوَضَةُ فِي الْأَمْوَالِ ثُمَّ سُمِّيَتْ مُعَاقَدَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمُعَاهَدَةُ الْمُسْلِمِينَ مُبَايَعَةً بِمَعْنَى أَنَّهُ عَاوَضَهُمْ بِمَا ضَمِنَ لَهُمْ مِنْ الثَّوَابِ عِوَضًا عَمَّا أَخَذَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْعَمَلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} [التوبة: ١١١] إلَى قَوْلِهِ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ السَّمْعُ هَهُنَا يَرْجِعُ إلَى مَعْنَى الطَّاعَةِ وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ أَصْلُهُ الْإِصْغَاءَ إلَى قَوْلِهِ وَالتَّفَهُّمَ لَهُ يُرِيدُ أَنَّ الَّذِي شُرِطَ عَلَيْنَا السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لِأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فِي حَالِ الْيُسْرِ وَحَالِ الْعُسْرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ يُسْرَ الْمَالِ وَعُسْرَهُ وَالتَّمَكُّنَ مِنْ جِيدِ الرَّاحِلَةِ وَوَافِرِ الزَّادِ وَالِاقْتِصَارَ عَلَى أَقَلِّ مَا يُمْكِنُ مِنْهُمَا وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ يُرِيدُ وَقْتَ النَّشَاطِ إلَى امْتِثَالِ أَوَامِرِهِ وَوَقْتَ الْكَرَاهِيَةِ لِذَلِكَ وَلَعَلَّهُ أَنْ يُرِيدَ بِالْمَنْشَطِ وُجُودَ السَّبِيلِ إلَى ذَلِكَ وَالتَّفَرُّغَ لَهُ وَطِيبَ الْوَقْتِ وَضَعْفَ الْعَدُوِّ وَيُرِيدُ بِالْمَكْرَهِ تَعَذُّرَ السَّبِيلِ وَشُغْلَ الْمَانِعِ وَشِدَّةَ الْهَوَاءِ بِالْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَصُعُوبَةَ السَّفَرِ وَقُوَّةَ الْعَدُوِّ.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ يُرِيدُ الْإِمَارَةَ وَيَحْتَمِلُ هَذَا أَنْ يَكُونَ شَرْطًا عَلَى الْأَنْصَارِ وَمَنْ لَيْسَ مِنْ قُرَيْشٍ أَنْ لَا يُنَازِعُوا فِيهِ أَهْلَهُ وَهِيَ قُرَيْشٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِمَّا أَخَذَهُ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ أَنْ لَا يُنَازِعُوا مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ الْأَمْرَ مِنْهُمْ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَصْلُحُ لِذَلِكَ الْأَمْرِ إذَا كَانَ قَدْ صَارَ لِغَيْرِهِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَأَنْ نَقُولَ أَوْ نَقُومَ شَكٌّ مِنْ الرَّاوِي بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا يُرِيدُ أَنْ يُظْهِرُوا الْحَقَّ بِالْقَوْلِ أَوْ الْقِيَامِ بِهِ حَيْثُ كَانُوا مِنْ الْمَوَاطِنِ وَالْأَمَاكِنِ لَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ مَخَافَةٌ وَلَا لَوْمَةُ لَائِمٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>