للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[المنتقى]

وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الضَّرُورَةَ تُبِيحُ الِانْتِفَاعَ بِالْمُحَرَّمَاتِ وَلِذَلِكَ أُبِيحَ أَكْلُ الْمِيتَةِ وَضَرُورَةُ هَذَا الْأَسِيرِ مِثْلُ ذَلِكَ وَأَشَدُّ فَكَانَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لِإِزَالَةِ ضَرُورَتِهِ.

١ -

وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلُ الْحَرْبِ بِأَسْرَى الْمُسْلِمِينَ لِلْفِدَاءِ فَيَطْلُبُونَ فِيهِمْ مَا لَا يُسْتَطَاعُ فَيُرِيدُونَ صَرْفَهُمْ إلَى بَلَدِ الْحَرْبِ قَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا بِهِمْ وَلَا يُؤْخَذُونَ مِنْهُمْ إلَّا بِرِضَاهُمْ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَغَيْرُهُ: إنْ أَرَادَ الَّذِي فِي يَدِهِ الْأَسِيرُ قِيمَتَهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بِيَسِيرٍ دُفِعَتْ إلَيْهِ وَإِلَّا أُخِذَ مِنْهُمْ قَهْرًا وَدُفِعَتْ إلَيْهِمْ قِيمَتُهُ وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ إنَّهُمْ نَزَلُوا عَلَى عَهْدٍ فَلَا يَجُوزُ نَقْضُهُ وَغَلَبَتُهُمْ عَلَى مَا بِأَيْدِيهِمْ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي مَا احْتَجَّ بِهِ أَصْبَغُ: إنَّنَا لَمْ نُعَاهِدْهُمْ عَلَى مُخَالَفَةِ أَحْكَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا عَاهَدْنَاهُمْ عَلَى أَنْ نَفِيَ لَهُمْ بِشُرُوطِهِمْ مَا لَمْ يُخَالِفُوا الْحَقَّ.

(فَرْعٌ) وَأَمَّا الَّذِي يُرَاعَى فِي قِيمَتِهِمْ قَالَ سَحْنُونٌ: يُرَاعَى فِي ذَلِكَ فِدَاءُ مِثْلِهِمْ لَيْسَ الْقُرَشِيُّ وَالْعَرَبِيُّ كَالْأَسْوَدِ وَالْمَوْلَى قَالَ ابْنُهُ: فَقَدْ فَدَيْت الْأَسَارَى الَّذِينَ كَانُوا بِسَرْدَانِيَّةَ عَلَى قِيمَتِهِمْ عَبِيدًا قَالَ: إنَّمَا ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مَعْرُوفِينَ عِنْدِي مِنْ ذَوِي الْقَدْرِ.

١ -

وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَهِيَ وُجُوبُ الرُّجُوعِ عَلَى الْأَسِيرِ بِالْفِدَاءِ لِمَنْ شَاءَ ذَلِكَ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ يَرْجِعُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ بِمَا فَدَاهُ بِهِ وَإِنْ كَانَ أَضْعَافَ ثَمَنِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٌ فَإِنْ وَجَدَهُ عِنْدَهُ أَخَذَهُ مِنْهُ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَسَحْنُونٌ: وَهَذَا أَحَقُّ بِمَالِهِ مِنْ غُرَمَائِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْفِدَاءَ وَاحْتَجَّ عَبْدُ الْمَلِكِ بِأَنَّ الْفِدَاءَ آكَدُ مِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى فِدَائِهِ بِأَضْعَافِ قِيمَتِهِ وَدَيْنُهُ إنَّمَا يَدْخُلُ فِي ذِمَّتِهِ بِاخْتِيَارِهِ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ: إنَّمَا هَذَا فِي مَالِهِ الَّذِي أَحْرَزَهُ الْعَدُّ مَعَ رَقَبَتِهِ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ كَانَ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ مِمَّا لَهُ مِثْلٌ رَجَعَ عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَرْجِعُ إلَى الْقِيمَةِ رُجِعَ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ فَإِنْ كَانَ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ: إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مُسْلِمًا لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ هَذِهِ رِوَايَةُ ابْنِهِ عَنْهُ وَيُحْتَمَلُ عَلَى قَوْلِهِ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِير أَنَّهُ يُرْجَعُ عَلَى الْأَسِيرِ بِثَمَنِ ذَلِكَ قَالَ سَحْنُونٌ: وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي ذِمِّيًّا رُجِعَ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لِأَنَّهُ مَالٌ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَتَمَوَّلُ الْمِيتَةَ فَهَذَا حُكْمُهَا.

وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ وَهِيَ تَمْيِيزُ مَنْ يُرْجَعُ عَلَيْهِ بِالْفِدَاءِ مِنْ غَيْرِهِ فَالنَّاسُ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: أَجَانِبُ وَذُو مَحَارِمَ وَمَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ فَأَمَّا الْأَجَانِبُ فَإِنَّهُ يُرْجَعُ عَلَيْهِمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الصَّدَقَةَ عَلَيْهِمْ وَكَذَلِكَ الْأَقَارِبُ مِمَّنْ لَيْسُوا بِذِي مَحَارِمَ فَلِذَلِكَ جَعَلْنَاهُمْ فِي جُمْلَةِ الْأَجَانِبِ وَأَمَّا مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِمْ فِيمَا فَدَاهُمْ بِهِ عَرَفَهُمْ أَوْ لَمْ يَعْرِفْهُمْ إلَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ: افْدِ وَلَك الْفِدَاءُ عَلَيَّ وَأَمَّا ذُو الْمَحَارِمِ غَيْرُهُمْ وَالزَّوْجَةُ فَإِنَّهُ إنْ فَدَاهُمْ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ مَنْ هُمْ فَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الْهِبَةَ فَإِنْ عَرَفَهُمْ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِمْ إلَّا أَنْ يَأْمُرُوهُ هُمْ بِفِدَائِهِمْ لِيُرْجَعَ عَلَيْهِمْ قَالَ سَحْنُونٌ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَا يُرْجَعُ عَلَيْهِ بِثَوَابِ الْهِبَةِ فَإِنَّهُ لَا يُرْجَعُ عَلَيْهِ بِالْفِدَاءِ وَمَنْ يُرْجَعُ عَلَيْهِ بِثَوَابِ الْهِبَةِ فَإِنَّهُ يُرْجَعُ عَلَيْهِ بِالْفِدَاءِ.

وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ فِي هِبَةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ رِوَايَتَانِ عَنْ مَالِكٍ: إحْدَاهُمَا لَا ثَوَابَ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا بَنَى سَحْنُونٌ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَالثَّانِيَةُ عَلَيْهِ الثَّوَابُ فَيَجِبُ أَنْ يَرْجِعَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِالْفِدَاءِ قِيَاسًا عَلَى هِبَةِ الثَّوَابِ.

١ -

وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ وَهِيَ تَدَاعِي الْأَسِيرِ وَالْمُفَادِي فِي الْفِدَاءِ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إلَى أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْأَسِيرِ فِي إنْكَارِ الْفِدَاءِ جُمْلَةً وَفِي إنْكَارِ بَعْضِهِ فَإِنْ أَتَى بِمَا يُشْبِهُ حُكِمَ عَلَيْهِ بِهِ وَلَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ سَوَاءٌ أَخْرَجَهُ مِنْ أَرْضِ الْحَرْبِ أَوْ لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْهَا رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ وَمُطَرِّفٍ وَأَصْبَغَ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَقِيلَ إذَا أَقَرَّ الْأَسِيرُ أَنَّهُ فَدَاهُ وَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْفِدَاءِ فَالْفَادِي مُصَدَّقٌ وَيَصِيرُ كَالرَّهْنِ فِي يَدَيْهِ وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِ مَالِكٍ.

وَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ: مِثْلُ هَذَا الْقَوْلِ قَوْلُ الْفَادِي إذَا كَانَ الْأَسِيرُ بِيَدِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>