للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشُّهَدَاءُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوَدِدْت أَنِّي أُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقْتَلُ ثُمَّ أَحْيَا فَأُقْتَلُ ثُمَّ أَحْيَا فَأُقْتَلُ فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقُولُ ثَلَاثًا أَشْهَدُ بِاَللَّهِ» ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «يَضْحَكُ اللَّهُ إلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ كِلَاهُمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلُ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْقَاتِلِ فَيُقَاتِلُ فَيُسْتَشْهَدُ» ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ إلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا اللَّوْنُ لَوْنُ دَمٍ وَالرِّيحُ رِيحُ مِسْكٍ» ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ قَتْلِي بِيَدِ رَجُلٍ صَلَّى لَك سَجْدَةً وَاحِدَةً يُحَاجُّنِي بِهَا عِنْدَك يَوْمَ الْقِيَامَةِ) .

ــ

[المنتقى]

سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ تَمَنِّي خَيْرٍ وَعَمَلٍ صَالِحٍ يُقَرِّبُ مِنْ اللَّهِ.

(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَضْحَكُ اللَّهُ إلَى رَجُلَيْنِ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ يَفْعَلُ بِهِمَا وَيَتَلَقَّاهُمَا مِنْ الثَّوَابِ وَالْإِنْعَامِ وَالْإِكْرَامِ بِمَا يَتَلَقَّى بِهِ الضَّاحِكُ الْمَسْرُورُ لِمَنْ يَقْدَمُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ يَضْحَكُ مَلَائِكَتُهُ وَخَزَنَةُ جَنَّتِهِ أَوْ حَمَلَةُ عَرْشِهِ إلَى هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ عَلَى مَعْنَى التَّبْشِيرِ لَهُمَا وَالْإِعْلَامِ لَهُمَا بِمَا يَقْدَمَانِ عَلَيْهِ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَحْمَتِهِ وَنِعْمَتِهِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ كِلَاهُمَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَذَلِكَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا غَيْرُ مَعْهُودٍ لِأَنَّ قَتْلَ أَحَدِهِمَا الْآخَرَ عَلَى مَعْنَى الْمُخَالَفَةِ فِي الدِّينِ وَالشَّرِيعَةِ يَقْتَضِي بِمُسْتَقِرِّ الشَّرْعِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْمُحِقُّ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَنْ يَكُونَ الثَّانِي وَهُوَ الْمُبْطِلُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَهَذِهِ الْقِصَّةُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ فَإِنَّهُمَا يَدْخُلَانِ الْجَنَّةَ وَلَعَلَّهُمَا يَكُونَانِ مِنْ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر: ٤٧] .

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلُ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى الْقَاتِلِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ كَافِرًا فَيَتُوبُ مِنْ كُفْرِهِ بِالْإِيمَانِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ جَمِيعُ مَا فَعَلَهُ فِي حَالِ كُفْرِهِ مِنْ قَتْلِ الْمُسْلِمِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: ٣٨] وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: ١٧] فَإِنْ كَانَتْ التَّوْبَةُ بِالْإِيمَانِ تُسْقِطُ الْقَتْلَ لِلْمُسْلِمِ وَغَيْرِهِ فَإِذَا قَاتَلَ بَعْدَ ذَلِكَ فَاسْتُشْهِدَ دَخَلَ الْجَنَّةَ مَعَ الَّذِي قَتَلَهُ.

(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ لَا يُجْرَحُ وَالْكُلُومُ الْجِرَاحُ ثُمَّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ عَلَى مَعْنَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لَيْسَ عَلَى الظَّاهِرِ أَنَّ مَنْ كَانَ يُقَاتِلُ فِي حَيِّزِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ مِمَّنْ يُقَاتِلُ فِي سَبِيلِهِ وَيُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي حَيِّزِ الْمُسْلِمِينَ وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً وَيُقَاتِلُ لِيَرَى مَكَانَهُ وَيُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ وَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ هَذِهِ الْفَضِيلَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَتُكْلَمُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مِمَّنْ يَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجُرْحُهُ يَثْعَبُ دَمًا يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ لَوْنَ ذَلِكَ الدَّمِ لَوْنُ الدَّمِ وَرِيحَهُ رِيحُ الْمِسْكِ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى فَضِيلَتِهِ وَعُلُوِّ دَرَجَتِهِ وَمَا لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ.

(ش) : فِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ قَوْلِ عُمَرَ هَذَا فَقَالَ: يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لِغَيْرِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ حُجَّةٌ عِنْدَ اللَّهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَمَعْنَى ذَلِكَ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَلِمَ أَنَّهُ يُقْتَلُ إمَّا بِخَبَرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ يَقُولُ ذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ إنَّمَا عَلِمَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ جُرِحَ وَعَلِمَ أَنَّهُ يَمُوتُ مِنْ جُرْحِهِ ذَلِكَ فَكَرَّرَ قَوْلَهُ ذَلِكَ حَنَقًا عَلَى مَنْ قَتَلَهُ وَإِشْفَاقًا مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْمُوَحِّدِينَ الَّذِينَ سَجَدُوا لِلَّهِ سَجْدَةً فَيَكُونُ لَهُمْ بِهَا حُجَّةٌ تَمْنَعُ مِنْ خُلُودِهِمْ فِي النَّارِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقُولَهَا إشْفَاقًا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يُصِيبَهُ مُؤْمِنٌ فَيُعَذَّبُ بِقَتْلِهِ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَيُحَاجُّ عُمَرُ فِي الْمَوْقِفِ بِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ سَجَدَ لِلَّهِ تَعَالَى فَتَكُونُ حُجَّتُهُ بِالْإِيمَانِ تَمْنَعُ عُمَرَ مِنْ الْحِرْصِ عَلَى تَعْذِيبِهِ بِالنَّارِ وَإِنْ كَانَ قَدْ تَوَلَّى قَتْلَهُ وَأَذَاهُ بِأَلَمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>