للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ «لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَطُوفُ بَيْنَ الْقَتْلَى فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ مَا شَأْنُك فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ بَعَثَنِي إلَيْك رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِآتِيَهُ بِخَبَرِك قَالَ فَاذْهَبْ إلَيْهِ فَأَقْرِأْهُ مِنِّي السَّلَامَ وَأَخْبِرْهُ أَنِّي قَدْ طُعِنْت ثِنْتَيْ عَشْرَةَ طَعْنَةً وَأَنِّي قَدْ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلِي وَأَخْبِرْ قَوْمَك أَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ إنْ قُتِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوَاحِدٌ مِنْهُمْ حَيٌّ» ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَغَّبَ فِي الْجِهَادِ وَذَكَرَ الْجَنَّةَ وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يَأْكُلُ تَمَرَاتٍ فِي يَدِهِ فَقَالَ إنِّي لَحَرِيصٌ عَلَى الدُّنْيَا إنْ جَلَسْت حَتَّى أَفْرُغَ مِنْهُنَّ فَرَمَى مَا فِي يَدِهِ فَحَمَلَ بِسَيْفِهِ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ» ) .

ــ

[المنتقى]

الدُّنْيَا مَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَكُونُ وَقَدْ تَمَنَّى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إعْلَامًا بِدَرَجَةِ الشَّهَادَةِ وَتَحْرِيضًا لِأُمَّتِهِ عَلَيْهَا وَإِعْلَامًا لَهُمْ بِمَا فِيهَا.

(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ اهْتِبَالٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَصْحَابِهِ وَبَحْثِهِ عَنْ مَنْ فُقِدَ مِنْهُمْ بَعْدَ الْمَوْتِ لِيَعْلَمَ مَا خَبَرُهُ وَمَا الَّذِي غَيَّبَهُ وَإِنْ كَانَ أُصِيبَ أَوْ سَلِمَ فَانْتَدَبَ الرَّجُلَ لِيُحْرِزَ طَاعَةَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُبَادَرَةَ إلَى مَا يَرْغَبُهُ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ بِالْأَمْرِ وَذَهَابُهُ بَيْنَ الْقَتْلَى لِطَلَبِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَنْ فُقِدَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَفِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالِ أَنَّهُ قُتِلَ أَوْ أُثْخِنَ بِالْجِرَاحِ فَبَادَرَ إلَى طَلَبِهِ حَيْثُ ظَنَّ أَنَّهُ يَجِدُهُ وَقَوْلُ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ لَهُ: مَا شَأْنُك؟ لَعَلَّهُ قَدْ تَوَقَّعَ أَنْ يَكُونَ أُرْسِلَ لِلْبَحْثِ عَنْ خَبَرِهِ أَوْ خَبَرِ غَيْرِهِ فَيُوصِي مَعَهُ بِمَا أَرَادَ أَنْ يُوصِي بِهِ إلَى قَوْمِهِ فَأَمَرَهُ أَنْ يُقْرِئَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَلَامَهُ لَمَّا اعْتَقَدَ أَنَّهُ لَا يَلْقَاهُ وَأَنْ يُخْبِرَهُ بِمَا جَرَى عَلَيْهِ مِنْ عَدَدِ الطِّعَانِ وَإِنْفَاذِ الْمَقَاتِلِ وَفِي ذَلِكَ إعْلَامٌ بِفَوَاتِ لِقَائِهِ وَلَعَلَّهُ قَصَدَ بِذَلِكَ اسْتِدْعَاءَ تَرَحُّمِهِ عَلَيْهِ وَاسْتِغْفَارِهِ وَرِضَاهُ عَنْهُ ثُمَّ أَوْصَى إلَى قَوْمِهِ بِأَنْ يَفْدُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنْ لَا يُوصَلَ إلَيْهِ، وَمِنْهُمْ حَيٌّ وَأَنَّ مَنْ حَيَّ مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا عُذْرَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وِقَايَتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْفُسِهِمْ وَبَذْلُهَا دُونَهُ.

(ش) : قَوْلُهُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَغَّبَ فِي الْجِهَادِ تَنْبِيهًا مِنْهُ فِي تَجْدِيدِ ذَلِكَ عِنْدَ حُضُورِ الْقِتَالِ وَتَذْكِيرًا لِلنَّاسِ بِفَضَائِلِ الْجِهَادِ وَتَرْغِيبًا لَهُمْ فِي إحْرَازِ أَجْرِهِ وَالصَّبْرِ عَلَى شِدَّةِ الْحَرْبِ وَمَا عَسَى أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهِ مِنْ جِرَاحٍ أَوْ شَهَادَةٍ فَأَكَّدَ ذَلِكَ بِأَنْ شَوَّقَهُمْ إلَى الْجَنَّةِ بِأَنْ وَصَفَ مَا أَعَدَّ اللَّهُ فِيهَا لِلْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِهِ لَا سِيَّمَا لِمَنْ أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِالشَّهَادَةِ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يَأْكُلُ تَمَرَاتٍ فِي يَدِهِ ذَكَرَ أَهْلُ السِّيَرِ أَنَّ ذَلِكَ الرَّجُلَ هُوَ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ السُّلَّمِيُّ لَمَّا سَمِعَ مَا ذَكَّرَ بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَمَلَهُ تَصْدِيقُهُ لَهُ وَتَثَبُّتُهُ لِمَا قَالَهُ عَلَى أَنْ طَرَحَ تَمَرَاتٍ فِي يَدِهِ كَانَ يَأْكُلُهَا وَرَأَى أَنَّ اشْتِغَالَهُ بِأَكْلِهَا عَنْ الْمُبَادَرَةِ إلَى الشَّهَادَةِ الْمُؤَدِّيَةِ إلَى مَا وَصَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْجَنَّةِ حِرْصٌ عَلَى الدُّنْيَا وَاشْتِغَالٌ بِيَسِيرِ مَتَاعِهَا عَنْ عَظِيمِ مَا أَعَدَّ اللَّهُ تَعَالَى لِأَوْلِيَائِهِ فَطَرَحَهَا وَحَمَلَ بِسَيْفِهِ وَذَكَرَ أَهْلُ السِّيَرِ أَنَّهُ حَمَلَ وَهُوَ يَقُولُ

رَكْضًا إلَى اللَّهِ بِغَيْرِ زَادٍ ... إلَّا التُّقَى وَعَمَلَ الْمَعَادْ

وَالصَّبْرَ فِي اللَّهِ عَلَى الْجِهَادِ

وَقَدْ ذَكَرَ أَهْلُ السِّيَرِ أَنَّ هَذَا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ وَقَدْ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَاعَةُ أَصْحَابِهِ وَهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَمَلَ عُمَيْرٌ هَذَا مَعَ جَمَاعَةِ النَّاسِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ انْفَرَدَ بِالْحَمْلِ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَهَذَا جَائِزٌ أَنْ يَحْمِلَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ عَلَى الْكَتِيبَةِ لَا سِيَّمَا مَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ شِدَّةً وَقُوَّةً وَكَانَ مَعَ أَصْحَابِهِ مِنْ الْعَدَدِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُمْ مُحْتَمُونَ دُونَهُ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ إذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>