للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ لِلرَّجُلِ أَنَا أَحْمِلُك إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَقَالَ مَالِكٌ إنْ نَوَى أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى رَقَبَتِهِ يُرِيدُ بِذَلِكَ الْمَشَقَّةَ وَتَعَبَ نَفْسِهِ فَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلْيَمْشِ عَلَى رِجْلَيْهِ وَلْيُهْدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَوَى شَيْئًا فَلْيَحْجُجْ وَلْيَرْكَبْ وَلْيَحْجُجْ بِذَلِكَ الرَّجُلُ مَعَهُ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ أَنَا أَحْمِلُك إلَى بَيْتِ اللَّهِ فَإِنْ أَبِي أَنْ يَحُجَّ مَعَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْهِ) .

ــ

[المنتقى]

بِرُكُوبِ الْمَوْضِعِ الَّذِي عَجَزَ عَنْ الْمَشْيِ فِيهِ فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ جَبْرُهُ بِالْمَشْيِ فِيهِ إذَا كَانَ الْمَشْيُ مِمَّا يُجْبَرُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ لِلتَّفْرِيقِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

وَإِنْ رَكِبَ أَقَلَّ مِنْ الْيَوْمِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ حَبِيبٍ أَوْ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ وَيَمْشِي مَا رَكِبَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يُقَدِّمُ مِنْ مَشْيِهِ مَا فِيهِ قَضَاءٌ لِبَعْضِهِ فَبَقِيَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا فَاتَهُ مِنْهُ فِي مِثْلِ نُسُكِهِ.

(مَسْأَلَةٌ) :

فَإِنْ كَانَ رُكُوبُهُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ لِجَبْرِ مَشْيِهِ وَيُجْزِئُهُ مِنْ ذَلِكَ الْهَدْيُ وَوَجْهُ ذَلِكَ قِلَّةُ مَا يَلْزَمُهُ جَبْرُهُ مِنْهُ مَعَ عَظِيمِ مَا يَتَكَلَّفُ مِنْ الْمَشَقَّةِ بِاسْتِئْنَافِ سَفَرٍ آخَرَ لِلْقَضَاءِ لَا سِيَّمَا لِمَنْ لَمْ تَقْرُبْ دَارُهُ وَأَمَّا مَنْ قَرُبَتْ دَارُهُ مِنْ مَكَّةَ كَالْيَوْمِ وَالثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَإِنَّ رُكُوبَ الْيَوْمِ عِنْدِي فِي حَقِّهِمْ كَثِيرٌ وَمَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ الْمَشَقَّةِ فِي الْقَضَاءِ لَيْسَ بِتَكْثِيرٍ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا.

(فَرْعٌ) وَهَذَا إذَا كَانَ مَشْيُهُ فِي الطَّرِيقِ فَأَمَّا مَنْ رَكِبَ فِي التَّوَجُّهِ إلَى عَرَفَةَ وَتَصَرَّفَ فِي الْمَنَاسِكِ رَاكِبًا فَفِي الْمُدَوَّنَةِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَحُجَّ ثَانِيَةً رَاكِبًا حَتَّى يَقْضِيَ سَعْيَهُ ثُمَّ يُتِمَّ حَجَّةً مَاشِيًا لِيَقْضِيَ مَشْيَ مَا فَاتَهُ مِمَّا كَانَ رَكِبَهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْمَشْيَ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ فِي الْمَنَاسِكِ كَانَ الرُّجُوعُ لَهُ أَوْكَدَ لِأَنَّهَا أَرْكَانُ الْحَجِّ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَعَلَيْهِ هَدْيُ بَدَنَةٍ أَوْ بَقَرَةٍ أَوْ شَاةٍ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا هِيَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَرْجِعَ ذَلِكَ إلَى الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ خَاصَّةً وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَرْجِعَ إلَيْهِ وَإِلَى الَّذِي عَجَزَ عَنْ بَعْضِ الْمَشْيِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَقَوْلُهُ أَوْ شَاةٍ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا هِيَ يَقْتَضِي أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إخْرَاجُهَا وَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَوْ شَاةٍ إنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا هِيَ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الشَّاةَ إنْ لَمْ يَجِدْ بَدَنَةً وَلَا بَقَرَةً.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَذَلِكَ أَنَّهُ مَنْ قَالَ لِآخَرَ أَنَا أَحْمِلُك إلَى بَيْتِ اللَّهِ يُرِيدُ مَكَّةَ وَنَوَى أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى رَقَبَتِهِ لِلْمُبَالَغَةِ فِي الْمَشَقَّةِ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ حَمْلُهُ عَلَى عُنُقِهِ وَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى عُنُقِهِ كَقَوْلِهِ أَنَا أَحْمِلُ هَذَا الْعَمُودَ وَهَذَا الْحَجَرَ وَهَذِهِ الطُّنْفُسَةُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنَا أَحْمِلُك يُرِيدُ عَلَى عُنُقِهِ يَتَضَمَّنُ الْمَشْيَ لِأَنَّ مَنْ حَمَلَ ثِقْلًا إنَّمَا يَحْمِلُهُ مَاشِيًا فَلَزِمَهُ الْمَشْيُ إلَى مَكَّةَ لَمَّا كَانَ قُرْبَةً وَلَمْ يَلْزَمْ حَمْلُهُ عَلَى عُنُقِهِ لِأَنَّهُ لَا قُرْبَةَ فِيهِ وَالنَّذْرُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقُرْبِ دُونَ غَيْرِهَا وَإِنْ كَانَ الَّذِي قَالَ أَنَا أَحْمِلُهُ إلَى مَكَّةَ شَيْءٌ خَفِيفٌ لَا مَشَقَّةَ فِي حَمْلِهِ رَاكِبًا فَعَلَيْهِ الرُّكُوبُ إلَى مَكَّةَ حَاجًّا رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مِمَّا جَرَتْ الْعَادَةُ أَنْ يَحْمِلَهُ الرَّاكِبُ مَعَهُ لَمْ يَتَضَمَّنْ حَمْلُهُ الْمَشْيَ فَلَمْ يَلْزَمْهُ الْمَشْيُ وَلَزِمَهُ الْوُصُولُ إلَى مَكَّةَ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ بِحَسَبِ مَا تَضَمَّنَهُ يَمِينُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ (وَلْيُهْدِ) يُرِيدُ لَمَّا الْتَزَمَ مِنْ صِفَةِ الْمَشْيِ الَّتِي لَا تَلْزَمُهُ وَذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ وَالنَّدْبِ.

وَقَدْ قَالَ ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ فِيمَنْ نَذَرَ الْمَشْيَ إلَى مَكَّةَ حَافِيًا أَنَّ هَدْيَهُ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ وَالنَّدْبِ لِالْتِزَامِهِ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يَلْزَمُهُ.

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ نَوَى شَيْئًا يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ بِنِيَّةٍ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ إتْعَابِ نَفْسِهِ بِحَمْلِهِ فَلْيَحْجُجْ لِيَحُجَّ بِالرَّجُلِ مَعَهُ لِأَنَّ لَفْظَةَ حَمْلِ الرَّجُلِ إلَى مَكَّةَ تَقْتَضِي إيصَالَهُ إلَيْهَا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ نِيَّةٌ تَعْدِلُ بِهِ عَنْ الْقُرْبَةِ وَجَبَ أَنْ يَحْمِلَ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ وَهُوَ تَكَلُّفُ مُؤْنَةِ الرَّجُلِ إلَى مَكَّةَ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ إلَّا أَنَّ هَذَا مَوْقُوفٌ عَلَى إرَادَةِ الرَّجُلِ لِأَنَّ الْحَالِفَ لَا يَمْلِكُهُ فَإِنْ أَرَادَ الرَّجُلُ الْحَجَّ مَعَهُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي الْتَزَمَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>