للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ} [البقرة: ٢٣٥] أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلْمَرْأَةِ وَهِيَ فِي عِدَّتِهَا مِنْ وَفَاةِ زَوْجِهَا إنَّك عَلَيَّ لَكَرِيمَةٌ وَإِنِّي فِيك لَرَاغِبٌ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَائِقٌ إلَيْك خَيْرًا وَرِزْقًا وَنَحْوَ هَذَا مِنْ الْقَوْلِ) .

ــ

[المنتقى]

لَا يُفْسَخُ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ لَا يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَلَا بَعْدَهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَبَعْدَهُ وَرَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ يُفْسَخُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَلَا يُفْسَخُ بَعْدَهُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ إنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْمَذْهَبِ الْفَسْخُ وَدَلِيلُنَا عَلَيْهِ نَهْيُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي فَسَادَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْخِطْبَةِ دُونَ النِّكَاحِ فَلَمْ يَقْتَضِ فَسَادَ عَقْدِ النِّكَاحِ.

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا لَا يُفْسَخُ فَقَدْ رَوَى الْعُتْبِيُّ عَنْ عِيسَى عَنْ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِهَذَا الْعَاقِدِ أَنْ يَتُوبَ مِنْ فِعْلِهِ وَيَعْرِضُهَا عَلَى الْخَاطِبِ أَوَّلًا فَإِنْ حَلَّلَهُ رَجَوْت لَهُ فِي ذَلِكَ مَخْرَجًا فَإِنْ أَبَى فَلْيُفَارِقْهَا فَإِنْ نَكَحَهَا الْأَوَّلُ وَإِلَّا فَلِهَذَا أَنْ يَأْتَنِفَ مَعَهَا نِكَاحًا قَالَ عِيسَى وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ إنْ لَمْ يُحَلِّلْهُ فَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ تَعَالَى وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى وَجْهِ الْكَرَاهِيَةِ لِحَقِّ آدَمِيٍّ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُخْرِجَ لَهُ عَنْهُ إنْ لَمْ يُحَلِّلْهُ مِنْهُ فَإِنْ أَسْقَطَ حَقَّهُ عَرَا عَنْ الْكَرَاهِيَةِ وَإِنْ أَبَى فَلَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ إلَّا بِالْفَرْقِ فَإِنْ نَكَحَهَا الْأَوَّلُ وَإِلَّا فَهَذَا الثَّانِي أَحَدُ الْخُطَّابِ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ فِرَاقَهُ إيَّاهَا لَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَمْ يَثْبُتْ بَعْدُ وَكَانَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْ نِكَاحِ الْأَوَّلِ حِينَ خُطْبَةِ الثَّانِي وَلَكِنْ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى لِمُخَالَفَتِهِ نَهْيَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

١ -

(فَصْلٌ) :

وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَعْنِ بِذَلِكَ إذَا خَطَبَ الرَّجُلُ امْرَأَةً فَلَمْ يُوَافِقْهَا يَعْنِي أَنَّهَا لَمْ تَبْلُغْ الْمَبْلَغَ الَّذِي تَقَدَّمَ قَبْلَ هَذَا فِيمَا يَمْنَعُ الْخِطْبَةَ أَوْ لَمْ يُوَافِقْهَا وَأَظْهَرَتْ وُدَّهُ فَلَمْ يَنْهَ عَنْ هَذِهِ أَنْ يَخْطُبَهَا سِوَاهُ قَالَ مَالِكٌ فَهَذَا بَابُ فَسَادٍ يَدْخُلُ عَلَى النَّاسِ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مَضَرَّةَ هَذَا كَانَتْ تَعُمُّ وَتَشِيعُ لِأَنَّهُ كَانَ يَخْطُبُ الْمَرْأَةَ مَنْ لَا تَرْضَاهُ وَلَا تُرِيدُهُ بَلْ تَرُدُّهُ فَإِذَا امْتَنَعَ عَلَى النَّاسِ خِطْبَتُهَا وَالتَّعَرُّضُ لَهَا بِذَلِكَ فَقَدْ قُصِرَتْ عَلَى الْأَوَّلِ الَّذِي كَرِهَتْهُ وَعَلَى الرِّضَا بِمَا بَذَلَهُ لَهَا مِمَّا لَيْسَ بِمَهْرٍ لَهَا وَهَذَا مِمَّا يَعْظُمُ فَسَادُهُ.

(ش) : مَا ذَكَرَ مِنْ قَوْلِ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ إنِّي فِيك لَرَاغِبٌ وَإِنِّي عَلَيْك لَحَرِيصٌ تَعْرِيضٌ بِالنِّكَاحِ وَهُوَ الَّذِي أَبَاحَهُ الْبَارِي تَعَالَى بِقَوْلِهِ {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: ٢٣٥] .

وَقَدْ «قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِفَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فَإِذَا حَلَلْت فَآذِنِينِي» وَفِي غَيْرِ الْمُوَطَّإِ «فَلَا تُفَوِّتِينَا بِنَفْسِك» قَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ فِي أَحْكَامِهِ وَإِنَّمَا يُعَرِّضُ الْمُعَرِّضُ بِالْخِطْبَةِ لِيُفْهَمَ مُرَادُهُ كَالتَّجَاوُبِ يُنْسَبُ التَّعْرِيضُ إلَى الرَّجُلِ خَاصَّةً وَلَوْ أَنَّ الْمُعَرِّضَ بِالنِّكَاحِ اقْتَضَى الْجَوَابَ وَبَيَّنَ أَنَّهُ يُرِيدُ الْمُوَاعَدَةَ ثُمَّ أَجَابَهُ الَّذِي زَوَّجَهُ بِتَعْرِيضٍ يُفْهَمُ مِنْهُ الْإِجَابَةُ لَكُرِهَ ذَلِكَ وَيَدْخُلُ فِي بَابِ الْمُوَاعَدَةِ.

١ -

(مَسْأَلَةٌ) :

وَلَا بَأْسَ أَنْ يُهْدِي إلَيْهَا الْهَدِيَّةَ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ وَلَا أُحِبُّ أَنْ يُفْتِي بِهِ إلَّا مَنْ تَحْجِزُهُ التَّقْوَى عَمَّا وَرَاءَهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْهِدَايَةِ تَصْرِيحٌ بِالنِّكَاحِ وَلَا مُوَاعَدَةٌ وَإِنَّمَا فِيهِ إظْهَارُ الْمَوَدَّةِ كَقَوْلِهِ إنِّي فِيك لَرَاغِبٌ وَإِنِّي عَلَيْك لَحَرِيصٌ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوَاعِدَ وَلِيُّهَا بِغَيْرِ عِلْمِهَا وَإِنْ كَانَتْ تَمْلِكُ أَمْرَهَا قَالَ.

وَقَدْ سُئِلَ عَنْهُ عَطَاءٌ فَنَهَى عَنْهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ بِيَدِهِ عُقْدَةَ النِّكَاحِ وَهُوَ الْقَائِمُ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمَرْأَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُوَاعِدَ بِالنِّكَاحِ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ تُوَاعِدَ بِهِ الْمَرْأَةُ قَالَ يَحْيَى بْنُ مُزَيْنٍ وَالْعِدَّتَانِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ عِدَّةُ الْوَفَاةِ وَعِدَّةُ الطَّلَاقِ قَالَ وَسَأَلْت عِيسَى عَنْ الْإِطْلَاعِ لِلنَّظَرِ فَقَالَ قَدْ جَاءَتْ فِيهِ رُخْصَةٌ وَكَانَ مَالِكٌ لَا يَرَاهُ خَوْفًا أَنْ يَطَّلِعَ عَلَى عَوْرَةٍ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَأْذِنَ عَلَيْهَا فَيَدْخُلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُزَنِيَّة لَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا وَعَلَيْهَا ثِيَابُهَا وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>