للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إذا غبار ساطع (١) في السماء مثل الدخان، فاستقسمت بالأزلام، فخرج الذي أكره، فناديتهم بالأمان، فوقفوا، فركبت فرسي حتى جئتهم، ووقع في نفسي حين لقيت ما لقيت من الحبس عنهم أن سيظهر أمر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقلت له: إن قومك قد جعلوا فيك الدية، وأخبرتهم أخبار ما يريد النَّاس بهم، وعرضت عليهم الزاد والمتاع، فلم يرزآني (٢) شيئًا، ولم يسألاني إلَّا أن قال: "أخفِ عنَّا"، فسألته أن يكتب لي كتاب أَمْنٍ، فأمر عامر بن فُهيرة، فكتب في رقعة من أدم، ثم مضى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.

قال ابن شهاب: فأخبرني عروة بن الزبير: أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لقي الزبيرَ في ركب من المسلمين كانوا تجارًا قافلين من الشام، فكسى الزبيرُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبو بكر ثياب بياض، وسمع المسلمون بالمدينة بمخرج رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من مكة، فكانوا يغدون كل غَدَاةٍ إلى الحرة ينتظرونه حتى يردهم حر الظهيرة، فانقلبوا يومًا بعدما أطالوا انتظارهم، فلما أوَوْا إلى بيوتهم، أَوْفَى رجلٌ من يهود على أُطُمٍ من آطامهم لأمر ينظر إليه، فبصر برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابه مُبيَّضِينَ يزول بهم السراب، فلم يملك اليهودي أن قال بأعلى صوته: يا معشر العرب! هذا جَدُّكم (٣) الذي تنتظرون، فثار المسلمون إلى السلاح، فتلقوا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بظهر الحرة، فعدل بهم ذات اليمين حتى نزل بهم في بني عمرو ابن عوف، وذلك يوم الاثنين من شهر ربيع الأول، فقام أبو بكر للنَّاس، وجلس رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- صامتًا، وطفق من جاء من الأنصار ممن لم يَر رسول اللَّه


(١) في "صحيح البخاري": "إذا لأثر يديها غُثَان ساطع. . . "، والغثان: هو الدخان.
(٢) (فلم يرزآني)؛ أي: لم ينقصاني مما معي شيئًا.
(٣) (هذا جَدُّكم)؛ أي: حظكم وصاحب دولتكم الذي تتوقعونه.

<<  <  ج: ص:  >  >>