للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ورضي اللَّه عن جميع صحابته، الملتئم من كل صِدِّيقَةٍ وصِدِّيق.

أمّا بعد:

فلما قضت نتائج العقول، وأدلة الشرع المنقول بأن سعادة الدارين لا تنال إلا بمتابعة هذا الرسول، وأن الهداية الحقة باقتفاء سنته، وسنته واجبة الحصول - انتهضت همم أعلام العلماء، والسادة الفضلاء من الصحابة السابقين والتابعين اللاحقين إلى البحث عن سنته، وآثاره، وأقواله وفعاله، فحصلوا ذلك ضبطًا وحفظًا، وقيدوه معنى ولفظًا، واستنبطوا معانيه فقهًا وعقلًا، وبلغوها إلى غيرهم مشافهة ونقلًا.

ثم لم يزل أهل العلم يتناقلون ذلك جيلًا بعد جيل، ويتوارثونه جليلًا بعد جليل، إلى أن انتهى ذلك إلى عصر الأئمة المصنفين الذين اختارهم اللَّه لحفظ هذا الدين، وارتضاهم لإظهار سنة سيد المرسلين.

فأولهم تصنيفًا وترصيفًا، وأولاهم إمامة وتشريفًا أبو عبد اللَّه مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي فهو الذي حاز قَصَبَات السِّبَاق؛ إذ هو المشهود له بأنه أمير المؤمنين في الحديث والعلم بالاتفاق.

ثم تلاه أئمة المصنفين، متسابقين، مُصَلِّين وتالين ومُسَلِّين (١)، وكل من بعده منهم لم يَغْرِف إلا من فضالته، ولم يَسْرِ ذلك المَسْرى إلا بدلالته.

وهؤلاء الأئمة هم:

أبو عبد اللَّه محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الجُعْفِي، البخاري (٢)، وأبو


(١) المُصَلِّي هو الفرس التالي في السباق، والمُسَلِّي: هو الأخير في السباق، والتالي: الذي يأتي بعد المصلي.
(٢) انظر ترجمة للبخاري في "تاريخ بغداد" (٢/ ٣٢٢ - ٣٥٧ رقم ٣٧٤)، و"تهذيب =

<<  <  ج: ص:  >  >>