فإنه الذي ألف الأصول، وبين للناس، وكل من عمل بعده قد أخذ من كتابه، كمسلم بن الحجاج، فرق كتبه في كتابه، وتجلد فيه حق الجلادة، حيث لم ينسبه إلى قائله.
ومنهم من أخذ كتابه فنقله بعينه كأبي زرعة وأبي حاتم (١).
وقال أبو المصعب: محمد بن إسماعيل عندنا؛ لو أدركت مالكًا ونظرت إلى وجهه ووجه محمد بن إسماعيل، لقلت: كلاهما واحد في الفقه والحديث.
وقال يعقوب الدورقي: محمد بن إسماعيل فقيه هذه الأمة.
وذكر أبو أحمد بن عدي أن البخاري لما قدم بغداد امتحنه المحدثون بأن قلبوا أسانيد مئة حديث، فخالفوا بين أسانيدها ومتونها، ثم فرقوها على عشرة من طلحة الحديث، لكل منهم عشرة.
فلما استقر بالبخاري المجلس قام إليه واحد من العشرة، فذكر له حديثًا من عشرته وسأله عنه فقال: لا أعرف هذا، ثم سأله عن بقية العشرة واحدًا واحدًا، والبخاري يقول في كل ذلك: لا أعرف، ثم قام بعده ثان ففعل مثل ذلك، فأجابه البخاري: بلا أعرف، ثم قام ثالث كذلك، إلى أن أكمل العشرة المئة الحديث المقلوبة، فظن كل من في المجلس عجز البخاري وانقطاعه، فعند ذلك دعا البخاري الأول فرد متون أحاديثه إلى أسانيدها، وكذلك فعل بجميعهم، فبهت السائلون، وأعجب بذلك الحاضرون والسامعون.
(١) أي: أخذ كتاب "التاريخ الكبير" للبخاري، وهذا ليس بصحيح، فـ "الجرح والتعديل" فيه الكثير مما ليس في كتاب البخاري، وخاصة في الجرح والتعديل. انظر: كتابنا "عبد الرحمن بن أبي حاتم وأثره في علوم الحديث" (ص: ١٨٥ - ١٩٧).