ثم رجع مالكٌ ﵁ فقال: لا تجوز إلّا في الرّقيق وحده، قال ابن القاسم: وبه آخذ من قول مالكٍ، وبه قضى عثمان وعلي وعبد الله بن عمر ﵃، وبه مضى العمل. وإنّما فرّق بين الرّقيق والحيوان، من جهة أنّ الرقيق يخفون عيوبهم، فلا يصل المالك إلى علمها، بخلاف الحيوان فإنّهم لا يكتمون عيوبهم والبائع يقدر على تعرّف ذلك فيهم، فلم يجز له بيعه بالبراءة من عيبٍ إن كان، إلّا أن يكون بها عيبٌ يعلمه، فيجوز له أن يبرَأَ إلى المشتري منه. قال الأبهري ﵁: ومما يدلّ على أنّ بيع البراءة لا يكون إلّا في الرقيق وفيما لا يعلمه البائع من العيب دون ما علمه، ما رواه مالكٌ، عن يحيى بن سعيدٍ، عن سالمٍ: «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ ﵁ بَاعَ غُلَامَاً لَهُ بِثَمَانِمِئِةِ دِرْهَمٍ بِالبَرَاءَةِ، فَقَالَ الّذِي ابْتَاعَهُ: بِالغُلَامِ دَاءُ لَمْ يُسَمَّ لَي، فَاخْتَصَمَا إِلَى عُثْمَانَ ﵁، فَقَضَى عَلَى ابْنِ عُمَرَ أَنْ يَحْلِفَ: «مَا بِعْتُهُ وَبِهِ عَيْبٌ يَعْلَمُهُ»، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: «أَحْلِفُ لَقَدْ بِعْتُهُ بِالبَرَاءَةِ»، فَقَالَ عُثْمَانُ ﵁: تَحْلِفُ: مَا بِعْتهُ وَبِهِ عَيْبٌ تَعْلَمُهُ، قَالَ: فَأَبَى ابْنُ عُمَرَ وَاسْتَرْجَعَ العَبْدَ». قال الأبهري ﵁: فلم ير عثمان أن يبرأ من العيب الذي يعلمه». وقال أيضاً في [٨/ ١٦٤]: «قال مالكٌ ﵁: ولا يجوز بيع الجارية بالبراءة من الحمل، إلّا أن يكون من الوخش فلا بأس بذلك، ولا يجوز إذا كان سيدها يطؤها. قال الأبهري: وإنّما قال ذلك؛ لأنّ الحمل يُنْقِصُ المُرْتَفِعَةَ وَلَا يُدْرَى كَمْ نَقْصُهَا، وذلك غررٌ. فأمّا إن كانت من الوخش، فلا بأس ببيعها بالبراءة؛ لأنّ حملها لا ينقصها، بل لعلَّه يزيد في ثمنها».