فإن قيل: كيف يجوز للأب أن يعفو عن الصّداق وهو ملك غيره، ولو جاز له ذلك، لجاز أن يهب مالها ويعتق عبيدها وغير ذلك مما يتلف مالها، فلمّا لم يجز ما ذكرناه بإجماعٍ، فكذلك لا يجوز له أن يعفو عن شيءٍ من صداقها؟ قيل له: الصّداق مخالفٌ لما ذكرت، من قِبَلِ أنّ له أن يعقد عليها جبراً، فلمّا كان له ذلك في عقد النّكاح عليها، صغيرةً كانت أو كبيرةً، ولم يكن له ذلك في مالها إذا كانت كبيرةً رشيدةً عند مخالفنا، فكذلك له أن يضع ما قد وجب لها بالعقد؛ إذ هو الموقِعِ له، ولها في ذلك حظٌّ من الرغبة فيها؛ لحسن صُنْعِ الأب لِخُطَّابِهَا والمتزوّج بها. وأمّا إخراج مالها، فإن كان على غير عوضٍ، لم يجز؛ إذ لا حظّ لها فيه من جهة البدل، فلم يجز ذلك له، وإن كان على عوضٍ جاز؛ لأنّه النّاظر لها. وقد روى عيسى بن عاصمٍ أنّه قال: سمعت شريحاً يقول: «سألني عليّ بن أبي طالبٍ ﵁ عن الذي بيده عقدة النّكاح، فقلت وليّ المرأة». وهو قول الشّعبيّ، وإبراهيم، والحسن، وعطاء، وعكرمة، وطاوس، وربيعة، والزهري، وزيد بن أسلم ﵃، من الأبهري. ولأنه وليٌّ يملك الإجبار عليها، فجاز له العفو عن صداقها، أصله السيّد في أمته».
باب نكاح التّفويض [٦٦]- (ونكاح التفويض جائزٌ، وهو أن يتزوج الرّجُلُ المرأَةَ ولا يذكران صداقها، فإن أعطاها صداق مثلها، لزمها تسليم نفسها، وإن أعطاها أقلّ من صداق مثلها، لم يلزمها تسليم نفسها إلّا أن ترضى بذلك.