وليس كذلك النّساء والصبيان؛ لأنهم إن امتنعوا لم يُقتلوا، فلم تجب الجزية عليهم؛ لأنها بدلٌ من إقرارهم على الكفر في ديارنا وترك قتلهم بعد.
وهذا للرجال البالغين دون النّساء والصبيان، ولا خلاف في ذلك بين أهل العلم.
وقد وجَّه النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ معاذاً إلى اليمن، وأمره أن يأخذ من كل حالمٍ ديناراً أو عِدْلَهُ مَعَافِرِيَّ (١)، ولم يأمره بأخذ الجزية من النّساء والصبيان.
وقوله:«لا زكاة عليهم في شيءٍ من أموالهم كلها، من الزرع والمواشي وغير ذلك»؛ فلأنَّ الزَّكاة إنَّما تجب على المسلمين في أموالهم طُهرةً لهم ورِفعةً لدرجتهم؛ لأنهم أهل توحيدٍ وصلاةٍ، قال الله ﷿: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾، هذا خطابٌ للمؤمنين، ولا زكاة على غيرهم من أصناف الكافرين.
وقوله:«إنَّهُ يؤخذ منهم العشر إذا تجروا من بلدهم إلى غير بلدهم»، يعني من إقليمٍ إلى إقليمٍ؛ فلأنه يُحتاج لحفظ الطرق التي يسلكونها ويتعيَّشون فيها إلى مؤنةٍ، فأُخِذ منهم ما يستعان به على حفظها؛ لأنَّ المسلمين تؤخذ منهم الزكوات والصدقات، وأهل الذمة فلا يؤخذ منهم ذلك، فإذا انتقلوا في بلدان المسلمين، أُخِذَ منهم ما تُحفظ به الطرق لهم وللمسلمين، وكذلك أَخَذَ منهم عمر بن الخطاب ﵁.
فروى مالكٌ، عن ابن شهابٍ، عن سالم، عن أبيه، «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ كَانَ يَأْخُذُ مِنَ النَّبَطِ، مِنَ الحِنْطَةِ وَالزَّيْتِ نِصْفَ العُشْرِ، يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَكْثُرَ الحِمْلُ إِلَى
(١) أخرجه أبو داود [٢/ ٣٢٤]، وقد تقدَّم في المسألة رقم ٣٨.