فلهذه العلَّة وجب تغليب قول مُدَّعي الأشبه مع يمينه إذا استويا جميعاً في اليد.
وليس يشبه هذا ما قال مخالفنا من دعوى العَطَّارِ العِطْرَ، والدَّبَّاغِ الجلود (١)، أنّه يُحكم بذلك للأشبه منهما فيما يدعيه إذا كان المتاع لأشبه المتداعيين؛ من قِبَلِ أنَّ يد المتداعيين هاهنا ليست واحدةً فيما يدعيانه، وإنما هو في يد أحدهما، فاليد أقوى من دعوى الأشبه منهما، وفي الزوجين فليس أحدهما أولى باليد من الآخر؛ لأنَّ أيديهما جميعاً في متاع البيت واحدةٌ.
ومثال هذا، أن تكون يد العطار والدباغ واحدةً فيما يتنازعاه، فيجوز أن يُحكم لمدعي الأشبه منهما، وكذلك إن كان الشّيء في يد غيرهما لا يدَّعيه لنفسه، حُكِم للأشبه بالدعوى منهما؛ لأنَّ في الأصول: الحكم لمُدَّعِي الأشبه مع يمينه.
ألا ترى: أنا نحكم في النقد إذا اختُلِفَ فيه لمدَّعي الأشبه بِعُرْفِ النّاس في البلد الذي هما فيه، وكذلك إذا اختلفا في الحمولة والسير وأشباه ذلك، فإنّه يُرْجع في ذلك إلى مُدَّعِي الأشبه بما يعرفه النّاس في البلد الذي هما فيه، فيُحكم له مع يمينه.
وقد رُوِيَ حديثٌ، رواه حذيفة، عن النبيِّ ﷺ: «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَيْهِ
(١) المخالف المقصود هنا الشافعية، ينظر: الأم للشافعي [٦/ ٢٥٠]، الحاوي للماوردي [٢١/ ٤٤٤].