فإن قيل: إنّ شهادة الأب لم تقبل للابن؛ لأنّه بعضه، لا من أجل التّهمة. قيل له: فيجب أن تقبل شهادة الابن لأبيه، ولأبي الأب، لأنّه ليس ببعضٍ له. ولو كان لهذه العلّة؛ لجاز إقرار الأب على ابنه، كما يجوز إقراره على نفسه، فلمّا كان هذا غير جائزٍ بإجماع أهل العلم، عُلِم فساد ما ذكره، وأنّ العلّة في ردّ شهادته التّهمة التي ذكرناها، وأنّ شهادته لابنه تجري مجرى شهادته لنفسه؛ لأنّه يجبّ صلاح حال ولده كما يحبّ صلاح نفسه، وقد قال ﷿: ﴿وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي﴾ [الأحقاف:١٥] فجعل صلاح ذريّته صلاحه». وقال أيضاً: «والتّهمة حاصلةٌ بين الزّوجين في غالب الطّبع؛ لأنّه يعلم بالعادة أنّ الإنسان يحبُّ نفع زوجته ويكره ضررها، وإذا صحّ ذلك، كانت التّهمة مانعةً من قبول شهادة أحدهما للآخر. قال الأبهري: وقد بيَّنَّا أنّ شهادة الشّاهد إذا جرَّ بها منفعةً أو دفع بها مضرّةً عن نفسه أو من يجري مجرى نفسه من والدٍ أو ولدٍ، أنّها غير مقبولةٍ؛ للتّهمة في ذلك. وكذلك الزّوج والزّوجة، لا تجوز شهادة أحدهما للآخر؛ للتّهمة في ذلك؛ لأنّ الزوج ينتفع بانتفاع زوجته؛ وكذلك الزّوجة، ويغتمّ كلّ واحدٍ منهما بدخول الضّرر على صاحبه في النّفس والمال، فلم تجز شهادة كلٍّ واحدٍ منهما لصاحبه في غرمٍ يدفعه عنه، أو جرّ منفعةٍ إليه، وقد قال تعالى: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الروم:٢١]، فلمّا لم تجز شهادة الأب والابن كلّ واحدٍ منهما لصاحبه؛ للمودّة والرّحمة؛ فكذلك الزّوج والزّوجة؛ لوجود ذلك بينهما. قال الأبهري: وقد رُوِيَ عن شريحٍ أنّه قال: (لا تجوز شهادة المرأة لزوجها، ولا الزوج لامرأته».