للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ظاهرٍ، ولم نُكَلَّف علم ما في القلب؛ لأنَّا لا نقدر عليه، فإذا رجع من دينٍ ظاهرٍ إلى دينٍ ظاهرٍ، قُبِلَت توبته.

فأمَّا إذا أظهر شيئاً وأسرَّ غيره من الكفر، وجب قتله؛ إذ لا دلالة لنا على صِحّة دينه.

فإن قيل (١): قد امتنع النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ من قتل المنافقين مع علمه بأنَّ باطنهم بخلاف ظاهرهم، وقَبِلَ ظَاهرهم، فكذلك يجب أن يُفْعَل ذلك في الزِّنديق وغيره؛ لظاهر قوله: «إنَّه مسلمٌ»، وإن لم نعرف حقيقة قوله؟

قيل له: النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ قد ترك قتل المنافقين مع علمه باعتقادهم الكفر، ولو علمنا نحن حقيقة اعتقاد الإنسان للكفر وإظهار غيره - أعني: الإسلام -، لَمَا جاز لنا تركه، بل وجب علينا قتله، فقد صار حكم الزِّنديق مخالفاً لحكم المنافقين الَّذِينَ تركهم النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ.

وإَّنما ترك النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ قتلهم لِمَا قال: «لِئَلَّا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدَاً يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ» (٢)، معناه: فيمتنعون من الدّخول في الإسلام إذا سمعوا أنَّ محمَّداً يقتل أصحابه مع ظاهر إسلامهم، فلهذه العلّة لم يقتلهم النَّبيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ.

ولأنَّه لم يَعْلَمْ نفاقهم غيره، ولا يجوز للحاكم أن يحكم بعلمه أيضاً.


(١) ينظر الاعتراض في: أحكام القرآن للجصاص [١/ ٣٦].
(٢) متفق عليه: البخاري (٣٥١٨)، مسلم [٨/ ١٩]، وهو في التحفة [٢/ ٢٦١].

<<  <  ج: ص:  >  >>