للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قوله صَلَّى الله عَلَيْهِ: «حُجَّ عَنْ نَفْسِكَ»، أي: من سبيلك أن تحج عن نفسك، ثم عن شبرمة، ولم يقل له: اجعلها عن نفسك، ثم حج عن شبرمة، وهذا كما يقول الإنسان لغيره: عظ نفسك، ثم عظ غيرك، وليس مُحَرَّمٌ على الإنسان أن يعظ غيره وإن كان لا يتَّعظ.

ويجوز أن يكون الذي يحج عن شبرمة غير مستطيعٍ الحجّ عن نفسه، فيصير حجُّه عن شبرمة، ثم يحج عن نفسه.

فإن قيل: «قَدْ أَحْرَمَ عَلِيُّ بن أَبِي طَالِبٍ وَأَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ مِنَ اليَمَنِ، فَقَدِمَا مَكَّةَ، فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ: بِمَ أَحْرَمْتُمَا؟، فَقَالَا: بِإِحْرَامٍ كَإِحْرَامِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْه» (١)، وهما لم يعلما ذلك.

قيل له: إنَّما عرَّفاه أنَّ إحرامهما مثل إحرامه، أي: أنّهما أفردا (٢)، أو يكونا قد سمعا أنَّ النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ أفرد فأحرما كإحرامه، لا أنهما أحرما في غير حجٍّ ولا عمرةٍ؛ لأنَّ ذلك لا يجوز.

ولو جاز للإنسان أن يصرف إحرامه إلى حجٍّ أو عمرةٍ من غير أن ينويه عن نفسه، لجاز ذلك له في الصلاة والصيام أن يدخل فيهما بغير نيةٍ، ثم يصرف ذلك إلى فرضٍ أو نفلٍ، وكذلك سائر الفرائض، وهذا مخالفةٌ للأصول وفعل ما أمر الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه، واتَّفق المسلمون عليه من وجوب


(١) متفق عليه: البخاري (١٧٢٤)، مسلم [٤/ ٤٤]، وهو في التحفة [٦/ ٤٢١].
(٢) قوله: «أي: أنّهما أفردا»، كذا في شب، وفي شرح التلمساني: «لا أنّهما أفردا».

<<  <  ج: ص:  >  >>