وقوله:«لا جزاء عليه إذا قتله»؛ فلأنَّ الله أوجب الجزاء على المحرم إذا قتل الصّيد، وأوجب المسلمون على من قتل الصّيد في حرم مكة، سواء كان حلالاً أو حراماً، فأمَّا في غير هذين الحالين فلا جزاء على من قتله؛ لعدم النص فيه.
ولم يجز أن يُجمع بين حرم مكة وحرم المدينة من طريق القياس أيضاً؛ من قِبَلِ أنَّ حرم مكة يحل المحرم من إحرامه بالإتيان إليه، وليس يحل بدون الإتيان إليه، وليس كذلك حرم المدينة، فلم يجز أن يلحق حرم المدينة بحرم مكة في وجوب الجزاء على من قتل الصّيد بها؛ لاختلاف حرمتي الحرم؛ لِمَا ذكرناه.
وهذا قول عامة أهل العلم، أعني: أن لا جزاء عليه، وقال ابن أبي ذئب:«عليه الجزاء»(١).
ووجه هذا القول: أنَّ النّبيّ ﷺ لَمَّا حرم المدينة كتحريم مكة وأكثر من ذلك، وجب أن يكون على قاتل الصّيد بها الجزاء، كما وجب ذلك بمكة، ولم يمنع اختلاف حُرمتيهما من وجهٍ ما أن يستويا في وجوب الجزاء، كما لم يمنع وجوب الجزاء على من قتل في الحرم وفي الحل إذا كان القاتل محرماً واستوائهما في هذا الموضع أن تختلف حرمة الإحرام والحرم.
ألا ترى: أنَّ حرمة الحرم مؤبدة لا تزول بوجهٍ، وليس كذلك حرمة الإحرام؛ لأنها تزول بالإحلال، ثم لم يمنع افتراقهما في هذا الوجه أن يسوى بينهما في
(١) نقل ابن رشد في البيان والتحصيل [٤/ ١٩]، هذا الاختيار عن الأبهري، وينظر: المنتقى للباجي [٧/ ١٩٣].