وإن اقتصر على مجرد قذفها من غير وصفٍ لرؤية الزّنا منها، فعنه في ذلك روايتان: إحداهما: أنّه يلاعنها، والرواية الأخرى: أنّه يحدّ ولا يلاعنها). قال في شرح التفريع [٧/ ١٥٨]: «قال مالكٌ في مختصر ابن عبد الحكم: لا يُرْضَى من الملاعن أن يقول: رأيتها تزني، حتّى يقول كما تقول الشّهود على الزّنا. قال الأبهري: لأنّ اللّعان يقوم مقام الشّهادة في إسقاط الحدّ عن الزّوج، فوجب أن يَذْكُرَ في اللّعان مِنَ الرُّؤيَةِ ما يذكره الشّهود في الشّهادة، ولا بدّ له من ذلك، كما لا بد للشّهود منه». وقال في [٧/ ١٥٩] أيضاً: «واختلف إذا ادّعى عليها الزّنا ولم يدّع رؤيةً ولا نفى حملاً: فقيل: يلاعن، وقيل: يحدُّ ولا يلاعن … ووجه القول: أنّه يحدّ ولا يلاعن؛ لأنّ اللّعان إنّما يتخلّص به عن حدّ القذف، فوجب أن يحتاج إلى رؤيةٍ، أصله الشّهادة، واعتباراً بالشّهود. قال الأبهري: وقد قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾ [النور:٤]، وهذا عامٌّ فيمن قذف محصنةً، سواءٌ كانت أجنبيّةً أو زوجته. قال الأبهري: فإن قيل: لم لا جعلت له أن يلاعن؛ لعموم قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ﴾؟ قيل له: معنى هذه الآية - والله أعلم - إذا كان ثمَّ نسبٌ يرتفع باللّعان، فإذا لم يتعلّق به نسبٌ يرفع، لم يكن له أن يلاعن. ألا ترى: أنّه إذا قال لزوجته: «زنيتُ قبل أن أتزوّج بك»، لكان عليه الحدّ ولم يكن بينهما لعانٌ، ولم يجز إجراء الآية على عمومها، وكذلك ما ذكرناه. فإن قيل: إنّ اللّعان إنّما جعل بين الزّوجين لإسقاط الحدّ عن الزّوج في الرّمي، سواءٌ كان ثمّ نسبٌ يرفعه أم لا؟