والمستحبات، بل تقرب من درجة الواجبات، وكذلك نص عليه المالكية والحنابلة، وأوضح السبكي نقولهم وسردها في كتابه في الزيارة، ولا حاجة إلى تتبع ذلك مع الإجماع عليه.
فإن قيل: روى عبد الرزاق أن الحسن بن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهم رأى قوما عند القبر، فنهاهم، وقال: إن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال «لا تتخذوا قبري عيدا، ولا تتخذوا بيوتكم قبورا، وصلوا عليّ حيثما كنتم؛ فإن صلاتكم تبلغني» وروى أبو يعلى عن علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما، أنه رأى رجلا يجئ إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فيدخل فيها فيدعوه، فنهاه، فقال: ألا أحدثكم حديثا سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لا تتخذوا قبري عيدا، ولا بيوتكم قبورا، فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم» وروى القاضي إسماعيل في الصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عن سهل بن أبي سهيل قال: جئت أسلّم على النبي صلى الله عليه وسلم وحسن بن حسن رضي الله تعالى عنهما يتعشى، وبيته عند بيت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وفي رواية: رآني الحسن بن الحسن رضي الله تعالى عنهما عند القبر، وهو في بيت فاطمة رضي الله تعالى عنها يتعشى فقال: هلمّ إلى العشاء، فقلت: لا أريده، فقال:
مالي رأيتك عند القبر؟ وفي رواية: مالي رأيتك وقفت؟ قلت: وقفت أسلّم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إذا دخلت فسلم عليه وفي رواية «إذا دخلت المسجد فسلم عليه» ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لا تتخذوا بيتي عيدا، ولا بيوتكم مقابر الحديث» ثم قال: ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء.
قلنا: روى القاضي إسماعيل أيضا في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بسنده إلى عليّ بن الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهم أن رجلا كان يأتي كل غداة؛ فيزور قبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، ويصلي عليه، ويصنع من ذلك ما انتهره عليه علي بن الحسين، فقال له علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما: ما يحملك على هذا؟ قال:
أحب التسليم على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فقال له علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما، هل لك أن أحدثك حديثا عن أبي؟ قال: نعم، قال له علي بن الحسين رضي تعالى عنهما: أخبرني أبي عن جدي أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تجعلوا قبري عيدا الحديث» .
فهذا يبين أن ذلك الرجل زاد في الحد، فيكون علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما موافقا لما سيأتي عن مالك من كراهة الإكثار من الوقوف بالقبر، وليس إنكارا