للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأصل الزيارة، أو أنه أراد تعليمه أن السلام يبلغه مع الغيبة لما رآه يتكلف الإكثار من الحضور.

وعلى ما ذكرناه يحمل ما ورد عن حسن بن حسن رضي الله تعالى عنه، بدليل قوله «إذا دخلت فسلم عليه» ولأن يحيى الحسيني روى في كتابه عن جعفر بن محمد بن عليّ بن الحسين عن أبيه عن جده أنه كان إذا جاء يسلم على النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وقف عند الأسطوانة التي تلي الروضة، ثم يسلم، ثم يقول: هاهنا رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال المطري وغيره: وهذا موقف السلف قبل إدخال الحجر في المسجد. وسبق في الكلام على المسمار المواجه للوجه الشريف بيان الموضع الذي كان يقف عنده علي بن الحسين من جهة الوجه الشريف أيضا، وقال يحيى في أخبار المدينة له: حدثنا هرون بن موسى الفروي قال: سمعت جدي أبا علقمة يسأل: كيف كان الناس يسلّمون علي النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قبل أن يدخل البيت في المسجد؟ فقال: كان يقف الناس على باب البيت يسلمون عليه، وكان الباب ليس عليه غلق، حتى هلكت عائشة رضي الله تعالى عنها.

قلت: وكيف يتخيل في أحد من السلف المنع من زيارة المصطفى صلى الله تعالى عليه وسلم، وهم مجمعون على زيارة سائر الموتى، فضلا عن زيارته صلى الله تعالى عليه وسلم؟ وما روي عن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أنه قال «ما رأيت أبي قط يأتي قبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وكان يكره إتيانه» محمول على تقدير صحته على ما سيأتي عن مالك من كراهة الوقوف بالقبر لمن لم يقدم من سفر.

وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تجعلوا قبري عيدا» قال الحافظ المنذري: يحتمل أن يكون المراد به الحث على كثرة زيارة قبره صلى الله تعالى عليه وسلم، وأن لا يهمل حتى لا يزار إلا في بعض الأوقات كالعيد الذي لا يأتي في العام إلا مرتين، قال: ويؤيده قوله «لا تجعلوا بيوتكم قبورا» أي لا تتركوا الصلاة فيها حتى تجعلوها كالقبور التي لا يصلى فيها، قال السبكي: ويحتمل أن يكون المراد لا تتخذوا له وقتا مخصوصا لا تكون الزيارة إلا فيه، ويحتمل أيضا أن يراد لا تتخذوه كالعيد في العكوف عليه وإظهار الزينة والاجتماع وغير ذلك مما يعمل في الأعياد، بل لا يأتي إلا للزيارة والسلام والدعاء ثم ينصرف عنه.

قلت: وقد كانت الصحابة رضي الله تعالى عنهم يقصدون النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته للزيارة، وهو صلى الله تعالى عليه وسلم حي الدارين، بل روى أحمد بإسنادين أحدهما

<<  <  ج: ص:  >  >>